الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
110 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :

"ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن [أن] يجهر به"   [ ص: 346 ] .

قال: حدثناه إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قوله: كأذنه: يعني ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن.

قال: حدثناه "حجاج"، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله [ - عز وجل - ] : وأذنت لربها وحقت قال: استمعت أو سمعت - شك أبو عبيد - .

قال [أبو عبيد] : وحدثناه أبو معاوية، عن معرف بن واصل، عن حبيب بن أبي ثابت في قوله: وأذنت لربها قال: استمعت أو سمعت.

يقال: أذنت للشيء آذن له أذنا: إذا استمعت، [أو سمعت له]

قال "عدي بن زيد":


أيها القلب تعلل بددن إن همي في سماع وأذن

وقال "عدي" أيضا [ ص: 347 ] :


في سماع يأذن الشيخ له     وحديث مثل ماذي مشار

يريد بقوله: يأذن: يستمع.

بعضهم يرويه: "كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن" - بكسر الألف - يذهب به إلى الإذن من الاستئذان، وليس لهذا وجه [عندي] .

وكيف يكون إذنه في هذا أكثر من إذنه في غيره، والذي أذن له فيه من توحيده وطاعته، والإبلاغ عنه أكثر وأعظم من الإذن في قراءة يجهر بها.

وقوله: يتغنى بالقرآن: إنما مذهبه عندنا تحزين القراءة .

ومن ذلك حديثه الآخر الذي يروى عن شعبة، عن معاوية بن قرة، عن عبد الله بن مغفل، أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ سورة الفتح، فقال [ ص: 348 ] : "لولا أن يجتمع الناس علينا لحكيت تلك القراءة، وقد رجع ".  

ومما يبين ذلك حديث يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :

أنه ذكر أشراط الساعة، فقال: "بيع الحكم، وقطيعة الرحم، والاستخفاف بالدم، وكثرة الشرط، وأن يتخذ القرآن مزامير، يقدمون أحدهم، وليس بأقرئهم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء".  

قال: سمعت "أبا يوسف" يحدثه عن ليث، عن عثمان بن عمير، عن زاذان، عن عابس الغفاري، أنه سمع النبي [صلى الله عليه وسلم] يقول ذلك.

قال: وحدثنا ابن علية، عن ليث، عن طاووس، قال: "أقرأ الناس للقرآن أخشاهم لله [ - عز وجل - ] .

فهذا تأويل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : [ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي] يتغنى بالقرآن [أن] يجهر به [ ص: 349 ] .

وهو تأويل قوله: "وزينوا القرآن بأصواتكم". قال: وأخبرني "يحيى بن سعيد"، عن "شعبة"، قال: نهاني "أيوب" أن أتحدث بهذا الحرف: "زينوا القرآن بأصواتكم".

[قال أبو عبيد] : وإنما كره "أيوب" ذلك مخافة أن يتأول على غير وجهه .

[قال] : وأما حديث رسول الله [ - صلى الله عليه وسلم - ] : ليس منا من لم يتغن بالقرآن".  

فليس هو عندي من هذا، إنما هو من الاستغناء، وقد فسرناه في موضع آخر" [ ص: 350 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية