"لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر".
قال: حدثنيه عن ابن مهدي، سفيان، عن عن عبد العزيز بن رفيع، عن عبد الله بن أبي قتادة، أبيه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
و [حدثنا] عن يزيد بن هارون هشام، عن عن ابن سيرين، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. أبي هريرة،
قوله: [هذا] مما لا ينبغي لأحد من أهل الإسلام أن يجهل وجهه، وذلك أن فإن الله [عز وجل] هو الدهر "أهل التعطيل" يحتجون به على المسلمين [ ص: 356 ] .
قال وقد رأيت بعض من يتهم بالزندقة والدهرية يحتج بهذا الحديث، ويقول: ألا تراه يقول: فإن الله هو الدهر؟ أبو عبيد:
فقلت: وهل كان أحد يسب الله [عز وجل] في آباد الدهر؟!
وقد قال في الجاهلية الجهلاء: "الأعشى"
استأثر الله بالوفاء، وبالحمـ ــد وولى الملامة الرجلا
وإنما تأويله عندي - والله أعلم - أن العرب كان شأنها أن تذم الدهر، وتسبه عند المصائب التي تنزل بهم من موت، أو هرم، أو تلف مال، أو غير ذلك، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، وأتى عليهم الدهر، فيجعلونه الذي يفعل ذلك، فيذمونه عليه، وقد ذكروه في أشعارهم، قال الشاعر يذكر قوما هلكوا:
فاستأثر الدهر الغداة بهم والدهر يرميني وما أرمي
يا دهر قد أكثرت فجعتنا بسراتنا ووقرت في العظم
وسلبتنا ما لست تعقبنا يا دهر ما أنصفت في الحكم
رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى فكيف بمن يرمى وليس برام
فلو أنها نبل إذا لاتقيتها ولكنما أرمى بغير سهام
على الراحتين مرة وعلى العصا أنوء ثلاثا بعدهن قيامي
وقد أخبر الله - تبارك وتعالى - بذلك عنهم في كتابه [الكريم] ، ثم كذبهم بقولهم، فقال: وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر
وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا الدهر": قال الله - تبارك وتعالى - : على تأويل: لا تسبوا الذي يفعل بكم هذه الأشياء، ويصيبكم بهذه المصائب، فإنكم إذا سببتم فاعلها، فإنما يقع السب على الله - تبارك وتعالى - لأنه الفاعل لها لا الدهر.
فهذا وجه الحديث - إن شاء الله - لا أعرف له وجها غيره [ ص: 358 ] .