الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
313 - قال "أبو عبيد" في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه سئل عن الإبل فقال:

"أعنان الشياطين لا تقبل إلا مولية، ولا تدبر إلا مولية، ولا يأتي نفعها إلا من جانبها الأشأم ".
 


[ - قال أبو عبيد - ] : من حديث يروى عن "أبي عوانة" عن "قتادة" يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - :

قوله: "أعنان الشياطين"   [ ص: 632 ] .

قال: بلغني عن "يونس بن حبيب البصري" أنه قال: أعنان كل شيء: نواحيه.

وأما الذي نحكيه نحن فأعناء الشيء نواحيه.

قالها "أبو عمرو" وغيره من علمائنا.

فإن كانت الأعنان محفوظة، فإنه أراد أن الإبل من نواحي - الشياطين أنها على أخلاقها وطبائعها.

وهذا شبيه بالحديث الآخر: "أنها خلقت من الشياطين" [ ص: 633 ] .

وفي حديث ثالث: "إن على ذروة كل بعير شيطانا ".

وقوله: "لا تقبل إلا مولية، ولا تدبر إلا مولية ".  فهذا عندي كالمثل الذي يقال فيها: "إنها إذا أقبلت أدبرت وإذا أدبرت أدبرت ".

وذلك لكثرة آفاتها، وسرعة فنائها [ ص: 634 ] .

وقوله: "لا يأتي خيرها إلا من جانبها الأشأم"  يعني الشمال، ويقال لليد الشمال الشؤمى. [قال الشاعر:


وأنحى على شؤمى يديه فذادها بأظمأ من فرع الذؤابة أسحما]

ومنه قول الله - جل ثناؤه - : وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة يريد أصحاب الشمال [ ص: 635 ] .

ومعنى قوله: "لا يأتي نفعها إلا من هناك" يعني أنها لا تحلب، ولا تركب إلا من شمالها، وهو الجانب الذي يقال له: الوحشي في قول "الأصمعي" لأنه الشمال.

قال: واليمين هو الإنسي، والأنسي أيضا.

وقال بعضهم: لا ولكن الإنسي هو الذي يأتيه الناس في الاحتلاب والركوب، والوحشي هو الأيمن؛ لأن الدابة لا تؤتى من جانبها الأيمن إنما تؤتى من الأيسر [ ص: 636 ] .

قال "أبو عبيد ": وهذا هو القول عندي لا غير.

وقال "زهير" يذكر بقرة أفزعتها الكلاب، فانصرفت، فقال: فجالت على وحشيها وكأنها مسربلة من رازقي معضد [ ص: 637 ] وقال "ذو الرمة" يصف ثورا في مثل تلك الحال:


فانصاع جانبه الوحشي وانكدرت     يلحبن لا يأتلي المطلوب والطلب

يعني بالطلب: الكلاب.

فعلى هذا أشعارهم.

إنما هو الجانب الوحشي الأيمن؛ لأن الخائف إنما يفر من موضع المخافة إلى موضع الأمن.

التالي السابق


الخدمات العلمية