الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
35 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سئل: متى تحل لنا الميتة؟ فقال: "ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا، أو تحتفئوا بها بقلا، فشأنكم بها"   [ ص: 188 ] .

قال: حدثناه محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن أبي واقد الليثي، أن رجلا قال: يا رسول الله! : إنا نكون في الأرض، فتصيبنا بها المخمصة، فمتى تحل لنا الميتة؟ فقال: "ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها بقلا، فشأنكم بها".  

قال الأصمعي: لا أعرف تحتفئوا، ولكني أراها تختفوا بها بقلا: أي تقتلعونه من الأرض.

ويقال: اختفيت الشيء: [أي] أخرجته.

قال أبو عبيد: ومنه سمي النباش المختفى؛ لأنه يستخرج الأكفان

وكذلك: خفيت الشيء: أي أخرجته، قال امرؤ القيس [بن حجر] يصف حضر الفرس، وأنه استخرج الفأر من حجرتهن، كما يستخرجهن المطر:


خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من سحاب مركب

[ ص: 189 ] قال أبو عبيد: وقد كان الكسائي يحدث عن محمد بن سهل الأسدي، عن وقاء بن إياس، عن سعيد بن جبير أنه كان يقرأ: "إن الساعة آتية أكاد أخفيها" [ - بفتح الألف - ] : أي أظهرها.

قال أبو عبيد: وسألت عنها أبا عمرو، فلم يعرف [فيها بالحاء] تحتفئوا، وسألت أبا عبيدة، فلم يعرفها.

قال أبو عبيد: ثم بلغني عن أبي عبيدة أنه قال: هو من الحفا، والحفأ مقصور مهموز، وهو أصل البردي الأبيض الرطب منه، وهو يؤكل، فتأوله أبو عبيدة في قوله "تختفئوا" يقول: ما لم تقتلعوا هذا بعينه، فتأكلوه.

قال [أبو عبيد] : وأخبرني الهيثم بن عدي أنه سأل عنها أعرابيا، فقال: فلعلها: تجتفئوا - بالجيم - .

قال أبو عبيد: يعني أن يقتلع الشيء، ثم يرمى به [ ص: 190 ] .

يقال: جفأت الرجل: إذا صرعته، وضربت به الأرض - مهموز.

قال أبو عبيد: وبعضهم يرويه: ما لم تحتفوا بها، يشدد الفاء، فإن كان هذا محفوظا، فهو من احتففت الشيء كما تحف المرأة وجهها من الشعر.

[قال] : وأما قوله: ما لم تصطبحوا أو تعتبقوا:  فإنه يقول: إنما لكم منها الصبوح وهو الغداء، أو الغبوق، وهو العشاء، يقول فليس لكم أن تجمعوهما من الميتة.

ومن ذلك حديث سمرة بن جندب.

قال [أبو عبيد] : حدثنا معاذ [بن معاذ] ، عن ابن عون قال: رأيت عند الحسن كتاب سمرة لبنيه: إنه يجزئ من الاضطرار أو الضارورة صبوح أو غبوق.

التالي السابق


الخدمات العلمية