الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
536 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان جالسا القرفصاء "   [ ص: 62 ] .

قال أبو عبيد : وهذا حديث يروى عن عبد الله بن حسان ، عن جدتيه عن "قيلة " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عبيدة : قوله : "القرفصاء" يعني أن يقعد الرجل قعدة المحتبي ، ثم يحتبي بيديه يضعهما على ساقيه .

وأما الإقعاء - الذي جاء فيه النهي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل في الصلاة -  فقد اختلف الناس فيه .

فقال أبو عبيدة : هو أن يلصق إليتيه بالأرض ، وينصب ساقيه ، ويضع يديه بالأرض .

وأما تفسير الفقهاء ، فهو أن يضع إليتيه على عقبيه بين السجدتين شبيه بما يروى عن العبادلة : عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير [ ص: 63 ] [ - رضي الله عنهم - ] .

قال أبو عبيد : وقول أبي عبيدة أشبه بكلام العرب ، وهو المعروف عندهم . وذلك بين في بعض الحديث أنه نهى أن يقعي الرجل كما يقعي السبع ، ويقال كما يقعي الكلب ، وليس الإقعاء في السباع إلا كما قال أبو عبيدة . وقال أبو عبيد : وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أكل مرة مقعيا ، فكيف يمكن أن يكون فعل هذا وهو واضع أليتيه على عقبيه .

وأما الحديث الآخر : "أنه نهى عن عقب الشيطان في الصلاة "  فإنه أن يضع [ ص: 64 ] [الرجل ] أليتيه على عقبيه في الصلاة بين السجدتين ، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء .

وأما حديث عبد الله بن مسعود "أنه كره أن يسجد الرجل متوركا أو مضطجعا " حدثنا أبو عبيد : قال حدثناه أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله .

[قال أبو عبيد ] : قوله : متوركا : يعني أن يرفع وركيه إذا سجد حتى يفحش في ذلك .

وقوله : مضطجعا : يعني أن يتضام ويلصق صدره بالأرض ، ويدع التجافي في سجوده .

ولكن يقول بين ذلك :

ويقال : التورك هو أن يلصق أليتيه بعقبيه في السجود .

وأما حديث "ابن عمر " [رحمه الله ] أنه كان لا يفرشح رجليه في الصلاة [ ص: 65 ] ولا يلصقهما " .

حدثنا أبو عبيد ، قال : حدثنيه حجاج ، عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر . قوله : يفرشح [رجليه ] : فالفرشحة : أن يفرج بين رجليه في الصلاة ويباعد إحداهما من الأخرى ، فيقول : لا تفعل ذلك ، ولا تلصق إحداهما بالأخرى ، ولكن بين ذلك .

وأما افتراش السبع -  الذي جاء فيه النهي - ، فهو : أن يلصق الرجل ذراعيه بالأرض في السجود ، فكذلك تفعل السباع .

وأما التفاج : فإنه تفريج ما بين الرجلين [ ص: 66 ] .

ومنه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا بال تفاج . وفي بعض الحديث : قال بعض الصحابة : حتى نأوي له .

وأما الفشج فهو دون التفاج ، ومنه : حديث الأعرابي الذي دخل المسجد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما كان في ناحية منه فشج فبال .

حدثنا أبو عبيد ، قال : وحدثناه يزيد ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة .

وبعضهم يرويه : "فشج" بتشديد الشين [ ص: 67 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية