حدثنا أبو عبيد : قال حدثنيه ابن مهدي ، عن مالك بن أنس ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب .
وعن إسرائيل ، عن إبراهيم بن عامر القرشي ، عن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، يرفعانه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[قال أبو عبيد ] : قوله : "لا يغلق الرهن " قد جاء تفسيره عن غير واحد من الفقهاء . حدثنا أبو عبيد : قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في رجل دفع إلى رجل رهنا ، وأخذ منه دراهم ، فقال الرجل : إن جئتك بحقك إلى كذا وكذا ، وإلا فالرهن لك بحقك .
فقال إبراهيم : لا يغلق الرهن [ ص: 72 ] .
قال أبو عبيد : فجعله جوابا لمسألته .
وقد روي عن طاوس نحو هذا . بلغني ذلك عن ابن عيينة ، عن عمرو ، عن طاوس .
قال أبو عبيد : وأخبرني ابن مهدي ، عن مالك بن أنس ، وسفيان بن سعيد أنهما كانا يفسرانه على هذا التفسير .
وقد ذهب بمعنى هذا الحديث بعض الناس إلى تضييع الرهن ، يقول : إذا ضاع الرهن عند المرتهن فإنه يرجع على صاحبه ، فيأخذ منه الدين ، وليس يضره تضييع الرهن .
وهذا مذهب ليس عليه أهل العلم ، ولا يجوز في كلام العرب أن يقال [للرهن ] إذا ضاع : فقد غلق ، إنما يقال : [قد ] غلق إذا استحقه المرتهن فذهب به ، وهذا كان من فعل أهل الجاهلية ، فرده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبطله بقوله : "لا يغلق الرهن " [ ص: 73 ] .
وقد ذكر بعض الشعراء ذلك في شعره ، قال "زهير " يذكر امرأة :
وفارقتك برهن لا فكاك له يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا
يعني أنها [قد ] ارتهنت قلبه ، فذهبت به ، فأي تضييع ها هنا .وأما الحديث الآخر في الرهن : "له غنمه ، وعليه غرمه " .
حدثنا أبو عبيد : قال : حدثنيه كثير بن هشام ، عن جعفر بن برقان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب يرفعه أنه قال ذلك .
[قال أبو عبيد ] : وهذا أيضا معناه معنى الأول لا يفترقان .
يقول : يرجع الرهن إلى ربه ، فيكون غنمه له ، ويرجع رب الحق عليه بحقه ، فيكون غرمه عليه ، ويكون شرطهما الذي اشترطا باطلا .
هذا كله معناه إذا كان الرهن قائما بعينه ، ولم يضع ، فأما إذا ضاع فحكمه غير هذا [ ص: 74 ] .


