الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
72 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :

"إن الجفاء والقسوة في الفدادين".  

قال أبو عمرو: هي الفدادين - مخففة - واحدها فدان - مشدد - وهي البقر التي تحرث.

يقول: إن أهلها أهل قسوة وجفاء، لبعدهم من الأمصار والناس.

قال أبو عبيد: ولا أرى "أبا عمرو" حفظ هذا، وليس (الفدادين ) من [ ص: 257 ] هذا في شيء، ولا كانت العرب تعرفها، إنما هذا للروم وأهل الشام، وإنما افتتحت الشام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - .

ولكنهم الفدادون - بالتشديد - وهم الرجال، والواحد فداد.

وقال "الأصمعي": هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم، وأموالهم، ومواشيهم، وما يعالجون منها.

وكذلك قال "الأحمر".

قال: ويقال منه: فد الرجل يفد فديدا: إذا اشتد صوته [قال] : وأنشدنا


أنبئت أخوالي بني يزيد ظلما علينا لهم فديد

وكان أبو عبيدة يقول غير ذلك كله.

قال: الفدادون: المكثرون من الإبل الذي يملك أحدهم المائتين منها إلى الألف يقال له: فداد إذا بلغ ذلك، وهم مع هذا جفاة أهل خيلاء [ ص: 258 ] .

قال أبو عبيد: ومنه الحديث الذي يروى أن الأرض إذا دفن فيها الإنسان قالت له: "ربما مشيت علي فدادا ذا مال كثير وذا خيلاء".

قال أبو عبيد: وفي حديث آخر عن زياد بن أبي زياد الجصاص، عن الحسن، عن قيس بن عاصم المنقري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الأول أنه قال: "إلا من أعطى في نجدتها ورسلها"   .

قال أبو عبيدة : فنجدتها أن تكثر شحومها، وتحسن حتى يمنع ذلك [ ص: 259 ] صاحبها أن ينحرها نفاسة بها، فصار ذلك بمنزلة السلاح لها تمتنع به من ربها، فتلك نجدتها.

وقد ذكرت العرب ذلك في أشعارها، قال "النمر بن تولب":


أيام لم تأخذ إلي رماحها     إبلي بجلتها ولا أبكارها

فجعل شحومها وحسنها رماحا تمتنع بها من أن تنحر.

وقال "الفرزدق" يذكر أنه نحر إبله [على عجلة] :


فمكنت سيفي من ذوات رماحها     غشاشا ولم أحفل بكاء رعائيا

[قوله غشاشا: يعني على عجلة] .

[وقال أبو عبيدة] : وأما قوله: رسلها فهو أن يعطيها، وهي تهون عليه؛ [ ص: 260 ] لأنه ليس فيها من الشحوم، والحسن ما يبخل به، فهو يعطيها رسلا، كقولك: جاء فلان على رسله، وتكلم بكذا وكذا على رسله: أي مستهينا به.

[قال أبو عبيد] : فمعنى الحديث، أنه أراد: من أعطاها في هاتين الحالتين في النجدة والرسل: أي على مشقة من النفس، وعلى طيب منها، وهذا كقولك: في العسر واليسر، والمنشط والمكره.

قال أبو عبيد: ظن بعض الناس أن الرسل هاهنا اللبن، وقد علمنا أن الرسل اللبن، ولكن ليس هذا بموضعه، ولا معنى له أن يقول: في نجدتها ولبنها، وليس هذا بشيء.

التالي السابق


الخدمات العلمية