"إن الجفاء والقسوة في الفدادين".
قال أبو عمرو: هي الفدادين - مخففة - واحدها فدان - مشدد - وهي البقر التي تحرث.
يقول: إن أهلها أهل قسوة وجفاء، لبعدهم من الأمصار والناس.
قال أبو عبيد: ولا أرى "أبا عمرو" حفظ هذا، وليس (الفدادين ) من [ ص: 257 ] هذا في شيء، ولا كانت العرب تعرفها، إنما هذا للروم وأهل الشام، وإنما افتتحت الشام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ولكنهم الفدادون - بالتشديد - وهم الرجال، والواحد فداد.
وقال "الأصمعي": هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم، وأموالهم، ومواشيهم، وما يعالجون منها.
وكذلك قال "الأحمر".
قال: ويقال منه: فد الرجل يفد فديدا: إذا اشتد صوته [قال] : وأنشدنا
أنبئت أخوالي بني يزيد ظلما علينا لهم فديد
وكان أبو عبيدة يقول غير ذلك كله.قال: الفدادون: المكثرون من الإبل الذي يملك أحدهم المائتين منها إلى الألف يقال له: فداد إذا بلغ ذلك، وهم مع هذا جفاة أهل خيلاء [ ص: 258 ] .
قال أبو عبيد: ومنه الحديث الذي يروى أن الأرض إذا دفن فيها الإنسان قالت له: "ربما مشيت علي فدادا ذا مال كثير وذا خيلاء".
قال أبو عبيد: وفي حديث آخر عن زياد بن أبي زياد الجصاص، عن الحسن، عن قيس بن عاصم المنقري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الأول أنه قال: "إلا من أعطى في نجدتها ورسلها" .
قال أبو عبيدة : فنجدتها أن تكثر شحومها، وتحسن حتى يمنع ذلك [ ص: 259 ] صاحبها أن ينحرها نفاسة بها، فصار ذلك بمنزلة السلاح لها تمتنع به من ربها، فتلك نجدتها.
وقد ذكرت العرب ذلك في أشعارها، قال "النمر بن تولب":
أيام لم تأخذ إلي رماحها إبلي بجلتها ولا أبكارها
وقال "الفرزدق" يذكر أنه نحر إبله [على عجلة] :
فمكنت سيفي من ذوات رماحها غشاشا ولم أحفل بكاء رعائيا
[وقال أبو عبيدة] : وأما قوله: رسلها فهو أن يعطيها، وهي تهون عليه؛ [ ص: 260 ] لأنه ليس فيها من الشحوم، والحسن ما يبخل به، فهو يعطيها رسلا، كقولك: جاء فلان على رسله، وتكلم بكذا وكذا على رسله: أي مستهينا به.
[قال أبو عبيد] : فمعنى الحديث، أنه أراد: من أعطاها في هاتين الحالتين في النجدة والرسل: أي على مشقة من النفس، وعلى طيب منها، وهذا كقولك: في العسر واليسر، والمنشط والمكره.
قال أبو عبيد: ظن بعض الناس أن الرسل هاهنا اللبن، وقد علمنا أن الرسل اللبن، ولكن ليس هذا بموضعه، ولا معنى له أن يقول: في نجدتها ولبنها، وليس هذا بشيء.


