الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
88 - وقال أبو عبيد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - :

"خمروا آنيتكم، وأوكوا أسقيتكم، وأجيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح، [ ص: 298 ] وأكفتوا صبيانكم، فإن للشياطين انتشارا وخطفة".  

يعني بالليل.

قال: حدثنيه عباد بن عباد، عن كثير بن شنظير، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، يرفعه.

قال "الأصمعي" و "أبو عمرو": قوله: خمروا آنيتكم: التخمير: التغطية.

ومنه الحديث الآخر: "أنه أتى بإناء من لبن، فقال: لولا خمرته، ولو بعود تعرضه عليه"   [ ص: 299 ] .

قال "الأصمعي": تعرضه [ - بضم الراء - ] .

قال "الأصمعي" و "أبو عمرو": وقوله: وأوكوا أسقيتكم:  الإيكاء: الشد، واسم السير أو الخيط الذي يشد به السقاء: الوكاء.

ومنه حديث اللقطة: "واحفظ عفاصها ووكاءها، فإن جاء ربها، فادفعها إليه".

وقوله: واكفتوا صبيانكم:  يعني ضموهم إليكم، واحبسوهم في البيوت وكل شيء ضممته إليك، فقد كفته، ومنه قول "زهير" يصف الدرع، وأن صاحبها ضمها إليه، فقال:


ومفاضة كالنهي تنسجه الصبا بيضاء كفت فضلها بمهند

[ ص: 300 ] والنهي جميعا.

يعني أنه علقها بالسيف، فضمها إليه، وقال الله - تبارك وتعالى - : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا

يقال: إنها تضمهم إليها ما داموا أحياء على ظهرها، فإذا ماتوا ضمتهم إليها في بطنها.

قال: وأخبرني إسماعيل بن مجالد بن سعيد، عن " بيان" قال: كنت أمشي مع "الشعبي" بظهر الكوفة، فالتفت إلى بيوت الكوفة، فقال: هذه كفات الأحياء، ثم التفت إلى المقبرة، فقال: وهذه كفات الأموات.

يريد تأويل قوله: ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا

وفي حديث آخر: "ضموا فواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء".  

[وأما المحدثون، فيقولون: قحمة] [ ص: 301 ] .

[و] قوله: الفواشي: كل شيء منتشر في المال مثل الغنم السائمة والإبل وغيرها. وقوله: حتى تذهب فحمة العشاء:  يعني شدة سواد الليل وظلمته، وإنما يكون ذلك في أوله، حتى إذا سكن فوره قلت الظلمة.

وقال "الفراء": يقال: فحموا عن العشاء، يقول: لا تسيروا في أوله حين تفور الظلمة ولكن أمهلوا حتى يسكن ذلك، وتعتدل الظلمة، ثم سيروا، [و] قال "لبيد":


واضبط الليل إذا طال السرى     وتدجى بعد فور واعتدل



التالي السابق


الخدمات العلمية