"خمروا آنيتكم، وأوكوا أسقيتكم، وأجيفوا الأبواب، وأطفئوا المصابيح، [ ص: 298 ] وأكفتوا صبيانكم، فإن للشياطين انتشارا وخطفة".
يعني بالليل.
قال: حدثنيه عباد بن عباد، عن كثير بن شنظير، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله، يرفعه.
قال "الأصمعي" و "أبو عمرو": قوله: خمروا آنيتكم: التخمير: التغطية.
ومنه الحديث الآخر: "أنه أتى بإناء من لبن، فقال: لولا خمرته، ولو بعود تعرضه عليه" [ ص: 299 ] .
قال "الأصمعي": تعرضه [ - بضم الراء - ] .
قال "الأصمعي" و "أبو عمرو": وقوله: وأوكوا أسقيتكم: الإيكاء: الشد، واسم السير أو الخيط الذي يشد به السقاء: الوكاء.
ومنه حديث اللقطة: "واحفظ عفاصها ووكاءها، فإن جاء ربها، فادفعها إليه".
وقوله: واكفتوا صبيانكم: يعني ضموهم إليكم، واحبسوهم في البيوت وكل شيء ضممته إليك، فقد كفته، ومنه قول "زهير" يصف الدرع، وأن صاحبها ضمها إليه، فقال:
ومفاضة كالنهي تنسجه الصبا بيضاء كفت فضلها بمهند
[ ص: 300 ] والنهي جميعا.يعني أنه علقها بالسيف، فضمها إليه، وقال الله - تبارك وتعالى - : ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا
يقال: إنها تضمهم إليها ما داموا أحياء على ظهرها، فإذا ماتوا ضمتهم إليها في بطنها.
قال: وأخبرني إسماعيل بن مجالد بن سعيد، عن " بيان" قال: كنت أمشي مع "الشعبي" بظهر الكوفة، فالتفت إلى بيوت الكوفة، فقال: هذه كفات الأحياء، ثم التفت إلى المقبرة، فقال: وهذه كفات الأموات.
يريد تأويل قوله: ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا
وفي حديث آخر: "ضموا فواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء".
[وأما المحدثون، فيقولون: قحمة] [ ص: 301 ] .
[و] قوله: الفواشي: كل شيء منتشر في المال مثل الغنم السائمة والإبل وغيرها. وقوله: حتى تذهب فحمة العشاء: يعني شدة سواد الليل وظلمته، وإنما يكون ذلك في أوله، حتى إذا سكن فوره قلت الظلمة.
وقال "الفراء": يقال: فحموا عن العشاء، يقول: لا تسيروا في أوله حين تفور الظلمة ولكن أمهلوا حتى يسكن ذلك، وتعتدل الظلمة، ثم سيروا، [و] قال "لبيد":
واضبط الليل إذا طال السرى وتدجى بعد فور واعتدل


