[ ص: 350 ] وإذا أردتم بقولكم : عيسى حلول ذاته واتحاده بالمسيح أو غيره - فهذه دعوى مجردة من غير دليل متقدم ولا متأخر ، وكون الإنسان أجل ما خلقه الله - لو كان مناسبا لحلوله فيه - أمر لا يختص به ظهر في المسيح ، بل قد قام الدليل على أن غير عيسى عليه السلام أفضل منه مثل إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم ، وهذان اتخذهما الله خليلين ، وليس فوق الخلة مرتبة ، فلو كان يحل في أجل ما خلقه الله من الإنسان لكونه أجل مخلوقاته لحل في أجل هذا النوع ، وهو الخليل ، ومحمد صلى الله عليهما وسلم ، وليس معهم قط حجة على أن الجسد المأخوذ من مريم إذا لم يتحد باللاهوت على أصلهم - أنه أفضل من الخليل وموسى .
وإذا قالوا : إنه لم يعمل خطيئة ، فيحيى بن زكريا لم يعمل خطيئة ، ومن عمل خطيئة وتاب منها فقد يصير بالتوبة أفضل مما كان قبل الخطيئة ، وأفضل ممن لم يعمل تلك الخطيئة ، والخليل وموسى أفضل من يحيى الذي يسمونه يوحنا المعمداني .
وأما قولهم : ولهذا خاطب الخلق ، فالذي خاطب الخلق هو [ ص: 351 ] عيسى ابن مريم ، وإنما سمع الناس صوته لم يسمعوا غير صوته ، والجني إذا حل في الإنسان وتكلم على لسانه يظهر للسامعين أن هذا الصوت ليس هو صوت الآدمي ، ويتكلم بكلام يعلم الحاضرون أنه ليس كلام الآدمي .
والمسيح عليه السلام لم يكن يسمع منه إلا ما يسمع من مثله من الرسل ، ولو كان المتكلم على لسان الناسوت هو جنيا أو ملكا لظهر ذلك ، وعرف أنه ليس هو البشر ، فكيف إذا كان المتكلم هو رب العالمين ؟ فإن هذا لو كان حقا لظهر ظهورا أعظم من ظهور كلام الملك والجني على لسان البشر بكثير كثير .
وأما ما شاهدوه من معجزات المسيح عليه الصلاة والسلام ، فقد شاهدوا من غيره ما هو مثلها وأعظم منها ، وقد أحيا غيره الميت وأخبره بالغيوب أكثر منه ، ومعجزات موسى أعظم من معجزاته أو أكثر ، وظهور المعجزات على يديه يدل على نبوته ورسالته ، كما دلت المعجزات على نبوة غيره ، ورسالتهم ، لا تدل على الإلهية .
. والدجال لما ادعى الإلهية لم يكن ما يظهر على يديه من الخوارق دليلا عليها ، لأن دعوى الإلهية ممتنعة ، فلا يكون في ظهور العجائب ما يدل على الأمر الممتنع