الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 350 ] وإذا أردتم بقولكم : ظهر في عيسى حلول ذاته واتحاده بالمسيح أو غيره - فهذه دعوى مجردة من غير دليل متقدم ولا متأخر ، وكون الإنسان أجل ما خلقه الله - لو كان مناسبا لحلوله فيه - أمر لا يختص به المسيح ، بل قد قام الدليل على أن غير عيسى عليه السلام أفضل منه مثل إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم ، وهذان اتخذهما الله خليلين ، وليس فوق الخلة مرتبة ، فلو كان يحل في أجل ما خلقه الله من الإنسان لكونه أجل مخلوقاته لحل في أجل هذا النوع ، وهو الخليل ، ومحمد صلى الله عليهما وسلم ، وليس معهم قط حجة على أن الجسد المأخوذ من مريم إذا لم يتحد باللاهوت على أصلهم - أنه أفضل من الخليل وموسى .

وإذا قالوا : إنه لم يعمل خطيئة ، فيحيى بن زكريا لم يعمل خطيئة ، ومن عمل خطيئة وتاب منها فقد يصير بالتوبة أفضل مما كان قبل الخطيئة ، وأفضل ممن لم يعمل تلك الخطيئة ، والخليل وموسى أفضل من يحيى الذي يسمونه يوحنا المعمداني .

وأما قولهم : ولهذا خاطب الخلق ، فالذي خاطب الخلق هو [ ص: 351 ] عيسى ابن مريم ، وإنما سمع الناس صوته لم يسمعوا غير صوته ، والجني إذا حل في الإنسان وتكلم على لسانه يظهر للسامعين أن هذا الصوت ليس هو صوت الآدمي ، ويتكلم بكلام يعلم الحاضرون أنه ليس كلام الآدمي .

والمسيح عليه السلام لم يكن يسمع منه إلا ما يسمع من مثله من الرسل ، ولو كان المتكلم على لسان الناسوت هو جنيا أو ملكا لظهر ذلك ، وعرف أنه ليس هو البشر ، فكيف إذا كان المتكلم هو رب العالمين ؟ فإن هذا لو كان حقا لظهر ظهورا أعظم من ظهور كلام الملك والجني على لسان البشر بكثير كثير .

وأما ما شاهدوه من معجزات المسيح عليه الصلاة والسلام ، فقد شاهدوا من غيره ما هو مثلها وأعظم منها ، وقد أحيا غيره الميت وأخبره بالغيوب أكثر منه ، ومعجزات موسى أعظم من معجزاته أو أكثر ، وظهور المعجزات على يديه يدل على نبوته ورسالته ، كما دلت المعجزات على نبوة غيره ، ورسالتهم ، لا تدل على الإلهية .

والدجال لما ادعى الإلهية لم يكن ما يظهر على يديه من الخوارق دليلا عليها ، لأن دعوى الإلهية ممتنعة ، فلا يكون في ظهور العجائب ما يدل على الأمر الممتنع .

التالي السابق


الخدمات العلمية