[ ص: 371 ] قالوا : عاموص النبي : ستشرق الشمس على الأرض ، ويهتدي بها الضالون ويضل عنها بنو إسرائيل ، قالوا : فالشمس هو السيد وقال المسيح ، والضالون الذين اهتدوا به هم النصارى المختلفة ألسنتهم ، الذين كانوا من قبله عابدين الأصنام وضالين عن معرفة الله ، فلما أتوهم التلاميذ وأنذروهم بما أوصاهم السيد المسيح فتركوا عبادة الأصنام واهتدوا باتباعهم السيد المسيح .
فيقال : هذا مما لا ينازع فيه المسلمون ، وإنما ينازع في مثل هذا وأمثاله اليهود المكذبون للمسيح عليه السلام ، كما ينازع كفار أهل الكتاب في محمد صلى الله عليه وسلم .
وأما المسلمون فيؤمنون بجميع كتب الله ورسله ، وأن المسيح [ ص: 372 ] عليه الصلاة والسلام أشرق نوره على الأرض ! كما أشرق قبله نور موسى عليه الصلاة والسلام ، وأشرق بعده نور محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم :
إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ( 45 ) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا .
فسماه الله سراجا منيرا ، وسمى الشمس سراجا وهاجا ، والسراج المنير أكمل من السراج الوهاج ، فإن الوهاج له حرارة تؤذي ، والمنير يهتدى بنوره من غير أذى بوهجه .
وقال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم :
فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون .
وقال تعالى :
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ( 52 ) صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور
[ ص: 373 ] والمسلمون مقرون بأن كل من كان متبعا لدين المسيح عليه السلام الذي لم يغير ولم يبدل ، فإنه اهتدى بالمسيح من الضلالة ، ومن كفر به من بني إسرائيل ، فإنه ضال ، بل كافر ، كما قال تعالى :
إذ قال الله ياعيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ( 55 ) فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين ( 56 ) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين
وقال تعالى :
ياأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين .
وقوله : ستشرق الشمس على الأرض ويهتدي بها الضالون ويضل عنها بنو إسرائيل - يناسب قوله في التوراة : جاء الله من طور سينا وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران ، فإن إشراقه من ساعير هو ظهور نوره بالمسيح ، كما أن مجيئه من طور سينا : هو ظهور نوره [ ص: 374 ] بموسى ، واستعلانه من جبال فاران هو ظهور نوره بمحمد .
وبهذه الأماكن الثلاثة أقسم الله في القرآن بقوله :
والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين .
فبلد التين والزيتون هي الأرض المقدسة التي بعث منها المسيح ، وكان بها أنبياء بني إسرائيل ، وأسري بمحمد صلى الله عليه وسلم إليها وظهرت بها نبوته . وطور سينين المكان الذي كلم الله فيه موسى بن عمران ، وهذا البلد الأمين هو بلد مكة التي بعث الله منه محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن .