الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 375 ] قالوا : وقال في السفر الثالث من أسفار الملوك : ( والآن يا رب إله إسرائيل لتحقق كلامك لداود ، لأنه حق أن يكون إنه سيسكن الله مع الناس على الأرض ، اسمعوا أيتها الشعوب كلكم ، ولتنصت الأرض ، وكل من فيها ، فيكون الرب عليها شاهدا من بيته القدوس ، ويخرج من موضعه وينزل ويطأ على مشاريق الأرض في شأن خطيئة بني يعقوب هذا كله .

فيقال هذا السفر يحتاج إلى أن يثبت أن الذي تكلم به نبي ، وأن ألفاظه ضبطت وترجمت إلى العربية ترجمة مطابقة ، ثم بعد ذلك يقال فيه ما يقال في أمثاله من الألفاظ الموجودة عندهم ، وليس فيها ما يدل على اتحاده بالمسيح ، فإن قوله : ( إن الله سيسكن مع الناس في الأرض ) لا يدل على المسيح ، إذ كان المسيح لم يسكن مع الناس في الأرض ، ، بل لما أظهر الدعوة لم يبق في الأرض إلا مدة قليلة ، [ ص: 376 ] ولم يكن ساكنا في موضع معين ، وقبل ذلك لم يظهر عنه شيء من دعوى النبوة فضلا عن الإلهية ، ثم إنه بعد ذلك رفع إلى السماء فلم يسكن مع الناس في الأرض ، وأيضا فإذا قالوا : سكونه هو ظهوره في المسيح عليه السلام ، قيل لهم : أما الظهور الممكن المعقول ، كظهور معرفته ومحبته ونوره وذكره وعبادته ، فهذا لا فرق فيه بين المسيح وغيره .

وحينئذ فليس في هذا اللفظ ما يدل على أن هذا السكون كان بالمسيح دون غيره ، وإن كان بالمسيح فليس هذا من خصائصه عليه السلام ، وليس في ظهوره فيه أو حلول معرفته ومحبته ومثاله العلمي ما يوجب اتحاد ذاته به .

وأما قوله : ( فيكون الرب عليها شاهدا ) ، فيقال أولا شهود الله على عباده لا يستلزم حلوله ، أو اتحاده ببعض مخلوقاته ، بل هو شهيد على العباد بأعمالهم كما قال : ثم الله شهيد على ما يفعلون .

ولفظ النص : ( ولتنصت الأرض ، وكل من فيها فيكون الرب عليها شاهدا ) ، وهذا كما في التوراة : أن موسى لما خاطب بني إسرائيل أشهد عليهم وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم كان يقول لأمته لما بلغ الناس بقول : " ألا هل بلغت ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : [ ص: 377 ] اللهم اشهد .

وحينئذ فليس في هذا تعرض لكون المسيح هو الله ، وقد يقال أيضا : ليس فيه أن المراد بلفظ الرب هنا هو الله ، ولفظ الرب يراد به السيد المطاع ، وقد غاير بين اللفظين ، فقال هناك : إنه سيسكن الله مع الناس ، فقال : فيكون الرب عليها شاهدا ، والأنبياء يشهدون على أممهم ، كما قال المسيح عليه السلام :

وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم .

وقال تعالى :

إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا .

وقال تعالى :

فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا .

[ ص: 378 ] وقال تعالى :

ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء .

وحينئذ فيكون الرب الشهيد هو المسيح ، الذي هو الناسوت ، وهو الذي جاء من بيت المقدس ، وخرج من موضعه ، ونزل ووطئ على الأرض من أجل خطيئة بني يعقوب فإنهم لما أخطأوا وبدلوا أرسل الله إليهم المسيح عليه السلام يدعوهم إلى عبادة الله وحده وطاعته ، فمن آمن به كان سعيدا مستحقا للثواب ، ومن كفر به كان شقيا مستحقا للعذاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية