[ ص: 375 ] لداود ، لأنه حق أن يكون إنه سيسكن الله مع الناس على الأرض ، اسمعوا أيتها الشعوب كلكم ، ولتنصت الأرض ، وكل من فيها ، فيكون الرب عليها شاهدا من بيته القدوس ، ويخرج من موضعه وينزل ويطأ على مشاريق الأرض في شأن خطيئة بني يعقوب هذا كله . قالوا : وقال في السفر الثالث من أسفار الملوك : ( والآن يا رب إله إسرائيل لتحقق كلامك
فيقال هذا السفر يحتاج إلى أن يثبت أن الذي تكلم به نبي ، وأن ألفاظه ضبطت وترجمت إلى العربية ترجمة مطابقة ، ثم بعد ذلك يقال فيه ما يقال في أمثاله من الألفاظ الموجودة عندهم ، وليس فيها ما يدل على اتحاده بالمسيح ، فإن قوله : ( ) لا يدل على إن الله سيسكن مع الناس في الأرض المسيح ، إذ كان المسيح لم يسكن مع الناس في الأرض ، ، بل لما أظهر الدعوة لم يبق في الأرض إلا مدة قليلة ، [ ص: 376 ] ولم يكن ساكنا في موضع معين ، وقبل ذلك لم يظهر عنه شيء من دعوى النبوة فضلا عن الإلهية ، ثم إنه بعد ذلك رفع إلى السماء فلم يسكن مع الناس في الأرض ، وأيضا فإذا قالوا : سكونه هو ظهوره في المسيح عليه السلام ، قيل لهم : أما الظهور الممكن المعقول ، كظهور معرفته ومحبته ونوره وذكره وعبادته ، فهذا لا فرق فيه بين المسيح وغيره .
وحينئذ فليس في هذا اللفظ ما يدل على أن هذا السكون كان بالمسيح دون غيره ، وإن كان بالمسيح فليس هذا من خصائصه عليه السلام ، وليس في ظهوره فيه أو حلول معرفته ومحبته ومثاله العلمي ما يوجب اتحاد ذاته به .
وأما قوله : ( فيكون الرب عليها شاهدا ) ، فيقال أولا شهود الله على عباده لا يستلزم حلوله ، أو اتحاده ببعض مخلوقاته ، بل هو شهيد على العباد بأعمالهم كما قال : ثم الله شهيد على ما يفعلون .
ولفظ النص : ( ولتنصت الأرض ، وكل من فيها فيكون الرب عليها شاهدا ) ، وهذا كما في التوراة : أن موسى لما خاطب بني إسرائيل أشهد عليهم وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم كان يقول لأمته لما بلغ الناس بقول : " ألا هل بلغت ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : [ ص: 377 ] اللهم اشهد .
وحينئذ فليس في هذا تعرض لكون المسيح هو الله ، وقد يقال أيضا : ليس فيه أن المراد بلفظ الرب هنا هو الله ، ولفظ الرب يراد به السيد المطاع ، وقد غاير بين اللفظين ، فقال هناك : إنه سيسكن الله مع الناس ، فقال : فيكون الرب عليها شاهدا ، والأنبياء يشهدون على أممهم ، كما قال المسيح عليه السلام :
وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم .
وقال تعالى :
إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا .
وقال تعالى :
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا .
[ ص: 378 ] وقال تعالى :
ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء .
وحينئذ فيكون الرب الشهيد هو المسيح ، الذي هو الناسوت ، وهو الذي جاء من بيت المقدس ، وخرج من موضعه ، ونزل ووطئ على الأرض من أجل خطيئة بني يعقوب فإنهم لما أخطأوا وبدلوا أرسل الله إليهم المسيح عليه السلام يدعوهم إلى عبادة الله وحده وطاعته ، فمن آمن به كان سعيدا مستحقا للثواب ، ومن كفر به كان شقيا مستحقا للعذاب .