الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 402 ] قالوا : وقال أشعيا النبي : ( ها هي العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانويل ) .

وعمانويل : كلمة عبرانية تفسيرها بالعربي ( إلهنا معنا ) فقد شهد النبي أن مريم ، ولدت اللاهوت المتحد بالناسوت كلاهما .

( فيقال : ليس في هذا الكلام أن مريم ولدت اللاهوت المتحد بالناسوت ) ، وأنها ولدت خالق السماوات والأرض ، بل هذا الكلام يدل على أن المولود ليس هو خالق السماوات والأرض ، فإنه قال : تلد ابنا .

وهذا نكرة في الإثبات كما يقال في سائر النساء : إن فلانة ولدت ابنا ، وهذا دليل على أنه ابن من البنين ، ليس هو خالق السماوات [ ص: 403 ] والأرضين ، ثم قال : ويدعى اسمه ( عمانويل ) فدل بذلك على أن هذا اسم يوضع له ، ويسمى به كما يسمي الناس أبناءهم بأسماء الأعلام ، أو الصفات التي يسمونهم بها .

ومن تلك الأسماء ما يكون مرتجلا ارتجلوه .

ومنها ما يكون جملة يحكونها ، ولهذا كثير من أهل الكتاب يسمي ابنه عمانويل ، ثم منهم من يقول : العذراء المراد بها غير مريم ، ويذكرون في ذلك قصة جرت .

ومنهم من يقول : بل المراد بها مريم ، وعلى هذا التقدير فيكون المراد أحد معنيين :

إما أنه يريد أن إلهنا معنا بالنصر والإعانة ، فإن بني إسرائيل كانوا قد خذلوا بسبب تبديلهم ، فلما بعث المسيح عليه السلام بالحق كان الله مع من اتبع المسيح ، والمسيح نفسه لم يبق معهم ، بل رفع إلى السماء ولكن الله كان مع من اتبعه بالنصر والإعانة .

كما قال تعالى :

فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين .

وقال تعالى :

وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة

[ ص: 404 ] وهذا أظهر ، وإما أن ( يكون ) يسمى المسيح إلها ، كما يقولون : إنه يسمى موسى إله فرعون ، أي هو الآمر الناهي له المسلط عليه .

وقد حرف بعضهم معنى هذه الكلمة ، فقال : معناها : الله معنا ، فقال : من رد عليهم من علمائهم يقال لهم : أهذا هو القائل : أنا الرب لا إله غيري ، أنا أميت وأنا أحيي ، أم هو القائل لله : إنك أنت الإله الحق وحدك والذي أرسلت يسوع المسيح ؟ وإذا كان الأول باطلا ، والثاني هو الذي شهد به الإنجيل ، وجب تصديق الإنجيل ، وتكذيب من كتب في الإنجيل أن ( عمانويل ) وتأويله - ( الله معنا ) ، بل تأويل عمانويل ( معنا إله ) ، وليس المسيح مخصوصا بهذا الاسم ، بل عمانويل اسم يسمى به النصارى ، واليهود من قبل النصارى .

وهذا موجود في عصرنا هذا ، في أهل الكتاب من سماه أبوه عمانويل يعني ( شريف القدر ) وكذلك السريان أكثرهم يسمون أولادهم عمانويل .

[ ص: 405 ] قلت : ومعلوم أن الله مع المتقين والمحسنين والمقسطين بالهداية ، والنصر ، والإعانة ، ويقال للرجل في الدعاء : الله معك ، فإذا سمي الرجل بقول : ( الله معك ) كان هذا تبركا بمعنى هذا الاسم ، وإذا قيل إن المسيح سمي الله معنا أو إلهنا معنا ونحو ذلك - كان ذلك دليلا على أن الله مع من اتبع المسيح وآمن به ، فيكون الله هاديه وناصره ومعينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية