[ ص: 402 ] قالوا : وقال أشعيا النبي : ( ها هي العذراء تحبل وتلد ابنا ويدعى اسمه عمانويل ) .
وعمانويل : كلمة عبرانية تفسيرها بالعربي ( إلهنا معنا ) فقد شهد النبي أن مريم ، ولدت اللاهوت المتحد بالناسوت كلاهما .
( فيقال : ليس في هذا الكلام مريم ولدت اللاهوت المتحد بالناسوت ) ، وأنها ولدت خالق السماوات والأرض ، بل هذا الكلام يدل على أن المولود ليس هو خالق السماوات والأرض ، فإنه قال : تلد ابنا . أن
وهذا نكرة في الإثبات كما يقال في سائر النساء : إن فلانة ولدت ابنا ، وهذا دليل على أنه ابن من البنين ، ليس هو خالق السماوات [ ص: 403 ] والأرضين ، ثم قال : ويدعى اسمه ( عمانويل ) فدل بذلك على أن هذا اسم يوضع له ، ويسمى به كما يسمي الناس أبناءهم بأسماء الأعلام ، أو الصفات التي يسمونهم بها .
ومن تلك الأسماء ما يكون مرتجلا ارتجلوه .
ومنها ما يكون جملة يحكونها ، ولهذا كثير من أهل الكتاب يسمي ابنه عمانويل ، ثم منهم من يقول : العذراء المراد بها غير مريم ، ويذكرون في ذلك قصة جرت .
ومنهم من يقول : بل المراد بها مريم ، وعلى هذا التقدير فيكون المراد أحد معنيين :
إما أنه يريد أن إلهنا معنا بالنصر والإعانة ، فإن بني إسرائيل كانوا قد خذلوا بسبب تبديلهم ، فلما بعث المسيح عليه السلام بالحق كان الله مع من اتبع المسيح ، والمسيح نفسه لم يبق معهم ، بل رفع إلى السماء ولكن الله كان مع من اتبعه بالنصر والإعانة .
كما قال تعالى :
فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين .
وقال تعالى :
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة
[ ص: 404 ] وهذا أظهر ، وإما أن ( يكون ) يسمى المسيح إلها ، كما يقولون : إنه يسمى موسى إله فرعون ، أي هو الآمر الناهي له المسلط عليه .
وقد حرف بعضهم معنى هذه الكلمة ، فقال : معناها : الله معنا ، فقال : من رد عليهم من علمائهم يقال لهم : أهذا هو القائل : أنا الرب لا إله غيري ، أنا أميت وأنا أحيي ، أم هو القائل لله : إنك أنت الإله الحق وحدك والذي أرسلت يسوع المسيح ؟ وإذا كان الأول باطلا ، والثاني هو الذي شهد به الإنجيل ، وجب تصديق الإنجيل ، وتكذيب من كتب في الإنجيل أن ( عمانويل ) وتأويله - ( الله معنا ) ، بل تأويل عمانويل ( معنا إله ) ، وليس المسيح مخصوصا بهذا الاسم ، بل عمانويل اسم يسمى به النصارى ، واليهود من قبل النصارى .
وهذا موجود في عصرنا هذا ، في أهل الكتاب من سماه أبوه عمانويل يعني ( شريف القدر ) وكذلك السريان أكثرهم يسمون أولادهم عمانويل .
[ ص: 405 ] قلت : ومعلوم أن ، ويقال للرجل في الدعاء : الله معك ، فإذا سمي الرجل بقول : ( الله معك ) كان هذا تبركا بمعنى هذا الاسم ، وإذا قيل إن الله مع المتقين والمحسنين والمقسطين بالهداية ، والنصر ، والإعانة المسيح سمي الله معنا أو إلهنا معنا ونحو ذلك - كان ذلك دليلا على أن الله مع من اتبع المسيح وآمن به ، فيكون الله هاديه وناصره ومعينه .