[ ص: 117 ] فصل
قد ذكرنا في جواب أول كتابهم بيان امتناع محمد - صلى الله عليه وسلم - أو غيره من الأنبياء - عليهم السلام - على ما يخالف دين المسلمين من دينهم . ونحن نبسط هذا هنا فنقول : لا ريب أن الباطل لا يقوم عليه دليل صحيح لا عقلي ولا شرعي ؛ سواء كان من الخبريات أو الطلبيات . فإن الدليل الصحيح يستلزم صحة المدلول عليه ، فلو قام على الباطل دليل صحيح لزم أن يكون حقا مع كونه باطلا ، وذلك جمع بين النقيضين ؛ مثل كون الشيء موجودا معدوما . احتجاجهم بشيء من كلام
وأهل الكتاب معهم حق في الخبريات والطلبيات ، ومعهم باطل ، وهو ما بدلوه في الخبريات ، سواء كان المبدل هو اللفظ أو معناه وما ابتدعوه أو ما نسخ من العمليات . والمنسوخ الذي تنوعت فيه الشرائع قليل بالنسبة إلى ما اتفقت عليه الكتب والرسل . فإن الذي اتفقت عليه هو الذي لا بد للخلق منه في كل زمان ومكان ، وهو الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح كما قال - تعالى - :
إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
.
[ ص: 118 ] وعامة السور المكية ، كالأنعام ، والأعراف ، وآل حم ، وآل طس ، وآل الر ، هي من ، كالأمر بعبادة الله وحده لا شريك له ، والصدق والعدل والإخلاص ، وتحريم الظلم والفواحش والشرك ، والقول على الله بلا علم ، وعامة ما عندهم من النقول الصحيحة عن الأنبياء من التوراة والإنجيل والزبور ونبوات الأنبياء توافق المنقول عن الأصول الكلية التي اتفقت عليها شرائع المرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم - شهد هذا لهذا وهذا لهذا . وذلك من دلائل نبوة أولئك الأنبياء ومن دلائل نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
ولهذا يذكر الله ذلك بيانا لإنعامه بمحمد ودلالة لنبوته كقوله - تعالى - :
وإذ قالت الملائكة يامريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون .
وقال : - تعالى - لما قص قصة نوح . :
تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين [ ص: 119 ]
فذكر الإله نعمته وآيته ، بكونه لم يكن يعلمها هو ولا قومه - أيضا - كانوا يعلمونها ؛ لئلا يظن أنه تعلم ذلك من قومه ، فإن قومه لم يكونوا يعلمون ذلك .
وقد علم بالنقل المتواتر أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - بمكة ، وبها نشأ بعد أن كان مسترضعا في بادية ولد سعد بن بكر قريبا من الطائف شرقي مكة وهو صغير ثم حملته مرضعته حليمة السعدية .
[ ص: 120 ] إلى أمه بمكة ، لا يعلم شيئا من ذلك ، ولا هناك من يتعلم منه شيء من ذلك . وأهل مكة يعلمون حاله وأنه لم يتعلم ذلك من أحد ثم أخبرهم بالغيب الذي لا يعلمه أحد إلا بتعليم الله له .
فكان هذا من أعلام رسالته ، ودلائل نبوته ، عليهم أولا ، وعلى غيرهم آخرا . فإنهم كانوا مشاهدين له يعلمون أنه لم يتعلم ذلك من أحد . وغيرهم يعلم ذلك بالأخبار المتواترة ، ويعلم أن قومه المكذبين له مع حرصهم على الطعن فيه ، ومع علمهم بحاله ، لو كان قد تعلم من أهل الكتاب لقالوا : هذا قد تعلمه منهم . قال - تعالى - :
قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون .
والمقصود أنه نفى علم قومه بما أخبره فيه ، بيانا لآلاء الله التي [ ص: 121 ] هي آياته ونعمه فإن ذلك يدل على أنه لم يتعلم ذلك من قومه وفيه إنعام الله على الخلق بذلك .
وقال - تعالى - لما ذكر قصة يوسف :
ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون .
وقال تعالى :
ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك .
فنفى - سبحانه - شهادته لهذه الأمور الغائبة وحضوره لها ؛ تنبيها للناس على أنه أخبر بالغيب الذي لم يشهده ولم يعرفه من جهة أخبار الناس ، فإن قومه لم يكونوا يعلمون ذلك ولا عاشر غير قومه . وكل من عرف حاله يعلم أنه لم يتعلم شيئا من ذلك ، لا من أهل الكتاب ولا ممن نقل عن أهل الكتاب .
فإذا كان محمد - صلى الله عليه وسلم - أخبر بمثل ما أخبرت [ ص: 122 ] به الأنبياء قبله ، في باب أسماء الله وصفاته ، وتوحيده وملائكته وأوليائه وأعدائه ، مع العلم بأن في هذه الأمور من التفاصيل الكثيرة ما يمتنع اتفاق اثنين عليه إلا عن مواطأة بينهما ، ومحمد وموسى - صلوات الله عليهما وسلامه لم يتواطآ ، بل لم يواطئ محمد - صلى الله عليه وسلم - أحدا من الرسل قبله ولا واطأوه .
والخبر الكذب إما أن يتعمد صاحبه الكذب ، وإما أن يغلط . فالكاذبان المتعمدان للكذب لا يتفقان في القصص الطويلة والتفاصيل العظيمة .
وكذلك الغالطان لا يتفق غلطهما في مثل ذلك ، بل الاثنان من آحاد الناس إذا أخبر كل منهما عن حال بلدة وأخبر الآخر بمثل خبره من غير مواطأة عرف صدقهما ، فكيف بالأمور الغائبة التي لا يمكن العلم بها إلا من جهة الله - تعالى - فهذا من دلائل نبوة الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - .
وأما محمد - صلى الله عليه وسلم - مما ينقلونه عن الأنبياء فهو نوعان : القدر الذي يخالف ما جاء به
أحدهما : ما وقع فيه النسخ من الشرائع وهذا لا يمنعه لكن [ ص: 123 ] المنسوخ مثل هذا بالنسبة إلى ما لم ينسخ من الكتاب نظير المنسوخ من القرآن والأحاديث النبوية ، فإنه قليل جدا بالنسبة إلى ما لم ينسخ ، وكذلك عامة ما أمر به موسى وداود والمسيح وغيرهم من الأنبياء ، إذا اعتبر بما أمر به محمد - صلى الله عليه وسلم - وجد عامة ذلك متفقا لم ينسخ منه إلا القليل .
والثاني : الخبريات ؛ وهذه قد محمدا خالف بعض ما أخبرت به الأنبياء قبله ، وهذا باطل ، فإن أخبار الأنبياء لا يجوز أن تتناقض ؛ إذ هم - كلهم - صادقون مصدقون ومن علم أن ادعى بعض أهل الكتاب أن محمدا رسول الله ، وأن موسى رسول الله ، وأن المسيح رسول الله ، علم أن أخبارهم لا تتناقض لكن قد يخبر هذا بما لم يخبر به هذا ؛ فيكون في أخبار أحدهم زيادات على أخبار غيره لا ما يناقض خبر غيره .
وما يذكره أهل الكتاب مما يناقض خبر محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو - عامته - مما حرفوا معناه وتأويله وقليل منه حرف لفظه ، وأهل الكتاب - اليهود والنصارى - مع المسلمين متفقون على أن الكتب المتقدمة وقع التحريف بها ، إما عمدا وإما خطأ في ترجمتها وفي تفسيرها وشرحها وتأويلها . وإنما تنازع الناس : هل وقع التحريف في بعض ألفاظها ؟ وكل ما يدعي فيه مدع أنمحمدا [ ص: 124 ] - صلى الله عليه وسلم - ناقضه فلا بد له من أن يثبت مقدمتين :
إحداهما : ثبوت ذلك اللفظ عن ذلك النبي .
والثاني : ثبوت معناه .
وكل من احتج بنقل عن نبي ، فلا بد له من هاتين المقدمتين : الإسناد والمتن ، فلا بد له من ثبوت اللفظ ، ولابد له من ثبوت معنى اللفظ . وإذا كان النقل ليس بلغة النبي ، بل بلغة أخرى فلا بد من الترجمة الصحيحة ، وعامة النصارى ليس عندهم كتب الأنبياء بلغة الأنبياء .
فإن موسى والمسيح ومن بينهما من أنبياء بني إسرائيل إنما كانوا يتكلمون باللغة العبرانية .
والمسيح كان عبرانيا ، لم يتكلم بغير العبرانية ، وإنما تكلم بغيرها ، كالسريانية واليونانية والرومية بعض من اتبعه . وجمهور [ ص: 125 ] النصارى لا يعرفون بالعبرانية ، فلا يحسنون أن يقرءوا بالعبرانية لا توراة ولا إنجيلا ولا غير ذلك ، وإنما يتكلمون بذلك : الرومية أو السريانية أو غيرهما ، وإن كان فيهم قليل ممن يتكلم بالعبرانية ، بخلافاليهود ، فإن العبرانية فاشية فيهم ، وحينئذ فمن احتج من أهل الكتاب بشيء من كلام الأنبياء المنقول بالرومية والسريانية أو بالعربية ، فإنه يحتاج مع إثبات النقل إلى إثبات الترجمة وصحتها ؛ فإنهم كثيرا ما يضطربون في الترجمة وصحتها ويختلفون في معناها .
فهذه مقدمات ثلاث لا بد لهم منها في كل ما يحتجون من كلام الأنبياء ، ولو لم يدعوا أنه معارض لما أخبر به محمد - صلى الله عليه وسلم - فكيف إذا ادعوا به تناقضه لما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن قدر أنه ثبت أن نبيا أخبر بشيء امتنع قطعا أن يخبر محمد - صلى الله عليه وسلم - بنقيضه . فإن فيما نقل عن محمد - صلى الله [ ص: 126 ] عليه وسلم - أيضا ما ليس بثابت لفظه ؛ مثل بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، وفيما ثبت لفظه ما ليس معناه صريحا في المناقضة ، بل لا يدل على ذلك .
فكم ممن يفسر القرآن بما لا يدل عليه لفظ القرآن ، بل ولا قاله أحد من الصحابة ، بل ولا التابعين .
كمن يقول : إن شعيبا النبي هو كان حمو موسى . وليس في القرآن والسنة وكلام الصحابة إلا ما يدل على نقيض ذلك . وكمن يقول : إن الرسل الذين أرسلوا إلى القرية كانوا من أتباع المسيح . وليس في القرآن والمنقول عن الصحابة إلا ما يدل على نقيض ذلك .
وأما ما علم أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - أخبر به فقد قامت الأدلة القاطعة اليقينية على صدقه وصدق ما أخبر به ، أعظم مما قامت على صدق غيره وصدق ما جاء به ، فمهما عارض ذلك علم أنه كذب على الأنبياء . ولا يمكن أحدا من الخلق أن يذكر دليلا قطعيا على [ ص: 127 ] صحة ذلك النقل ، بل غايتهم أن يذكروا طريقا ظنيا لا يفيدهم إلا الظن ، والظن لا يعارض اليقين .
فما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - يمكن صاحب النظر والاستدلال أن يعلمه علما يقينا لا يرتاب فيه .
وما يناقضه لا سبيل لأحد إلى العلم به ، ولا يتصور أن يقوم بقلبه منه إلا الظن والتقليد ، وكلاهما لا يناقض العلم ، فهذا أصل جامع . ثم العارف يعبر عنه مع كل إنسان بحسب ما يوصل معناه إلى ذلك المخاطب . والمقصود هنا أن يقال : كل ما يحتجون به على مخالفة ما ثبت عن محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يقوم لهم عليه دليل لا شرعي ولا عقلي ، وهذا نعلمه مجملا .
ونحن نبين ذلك مفصلا فنقول : ما يحتجون به إما أن يكون حجة عقلية وإما أن يكون سمعية ؛ أما العقليات : فمعلوم أن الحجج العقلية الدالة على فساد ما يقوله النصارى ، أظهر ومن احتج منهم أو من مما يحتجون به على صحة دينهم اليهود بحجة عقلية على مخالفة شيء من دينه فلها أجوبة :
أحدها : أن يبين أن ذلك يلزم غيره من الأنبياء ، فإنهم جاءوا بذلك أو بأعظم منه .
.
[ ص: 128 ] فلا يقدح أحد بحجة عقلية في محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا كان ذلك قد جاء بطريق الأولى في غيره من الأنبياء ، كما بينا في الرد على الرافضة ، أنه لا يقدح أحد في الخلفاء الثلاثة : أبي بكر وعمر ، إلا أمكن أن يقدح بمثل ذلك وبأعظم منه في وعثمان ، فيمتنع أن يكون علي سليما من القوادح في إمامته إلا والثلاثة أسلم منه مما يقدح في إمامتهم . علي
ويمتنع أن يكون موسى وعيسى وداود برآء مما يقدح في نبوتهم إلا ومحمد أبرأ مما يقدح في نبوته . وهذا كما لو احتج محتج بما في القرآن من إثبات الصفات ، فيقال له : في التوراة وغيرها من كتب الأنبياء مثل ذلك وأعظم ، وإذا احتج بإنزال المتشابهات فيقال له : في الكتب المتقدمة من التشابه أعظم مما في القرآن . وهل ضلت [ ص: 129 ] النصارى إلا باتباع المتشابه من كلام الأنبياء وترك المحكم ؟ .
والثاني : أن يبين أن تلك الحجة لا تصلح أن يعارض بها ما جاءت به الأنبياء . كما إذا أخذ بعض الناس يطعن في شيء من الشرائع بالرأي ، بين له أن ما ثبت عن الأنبياء لا يعارض برأي ولا قياس .
الثالث : أن يبين فساد تلك الحجة العقلية . إن كانت من باب الخبريات : بين فسادها كما قد بسطنا القول في ذلك في كتاب " درء تعارض العقل والشرع " وذكرنا أن جميع ما يحتج به على خلاف نصوص الأنبياء من العقليات ، فإنه باطل . وذكرنا ما يعتمد عليه النفاة من هذا الباب .
وإن كانت من باب الطلبيات فهي من باب الأمر والنهي . فمن [ ص: 130 ] كان في مذهبه أنه لا يعلل أحكام الله ولا يقول : إن حسن الأفعال وقبحها يعلم بالعقل ، ولا ينزه الله عن فعل ولا عن حكم ، بل يجوز عليه كل شيء ، وإنما ينفي ذلك بالخبر السمعي أو العادة ، فهذا يجاب بهذا الجواب لكن عامة القلوب والعقول لا تقبل هذا .
وأما على قول الجمهور : فنبين ما في مأموراته من الحكم والمصالح ، وما في منهياته من المفاسد والضرر ، ونبين رجحان ما جاء به على ما يعارض به ، بل ونبين رجحان شرائع الأنبياء على سياسات سائر الأمم ، بل ونبين رجحان شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر الشرائع ، وهذا مبسوط في مواضع .
وأما إذا احتج أهل الكتاب على مناقضة محمد - صلى الله عليه وسلم - بحجة سمعية سواء كانت من كلامه ، أو كلام غيره من الأنبياء عليهم السلام ، كان الجواب من وجوه :
أحدها : أن يقال لهم : لا يمكنكم أن تصدقوا بنبوة نبي من الأنبياء مع التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم . والطريق [ ص: 131 ] الذي بها تثبت نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بمثلها وبأعظم منها . بل نحن نبين أن التصديق بنبوته أولى من التصديق بنبوة غيره ، وأن كل ما يستدل به على نبوة نبي فمحمد أحق بجنس ذلك الدليل من غيره ، وما يعارض به نبوة نبي ، فالجواب عن محمد - صلى الله عليه وسلم - أولى من الجواب عن غيره .
فهو مقدم فيما يدل على النبوة ، وفيما يجاب به عن المعارضة ، وهذه أكمل في ذلك . فيمتنع مع العلم أو العدل أن يصدق بنبوة غيره مع التكذيب بنبوته ، كما يمتنع مع العلم والعدل في كل اثنين أحدهما أكمل من الآخر في فن أن يقر بمعرفة ذلك الفن للمفضول دون الفاضل . وقولنا : مع العلم والعدل ؛ لأن الظالم يفضل المفضول مع علمه بأنه مفضول ، والجاهل قد يعرف المفضول ، ولا يعرف الفاضل .
فإن كثيرا من الناس يعلمون فضيلة متبوعهم : إما في العلم أو العبادة ولا يعرفون أخبار غيره حتى يوجد أقوام يعظمون بعض [ ص: 132 ] الأتباع دون متبوعه الذي هو أفضل منه عند التابع ، وغيره لا يعرفونه . فهؤلاء ليس عندهم علم ؛ ولهذا تجد كثيرا من هؤلاء يرجح المفضول ؛ لعدم علمه بأخبار الفاضل ، وهذا موجود في جميع الأصناف ، حتى في المدائن ، يفضل الإنسان مدينة يعرفها على مدينة هي أكمل منها لكونه لا يعرفها .
والحكم بين الشيئين بالتماثل أو التفاضل ، يستدعي معرفة كل منهما ومعرفة ما اتصف به من الصفات التي يقع بها التماثل والتفاضل كمن يريد أن يعرف أن أعلم من البخاري ، وكتابه أصح ، أو أن مسلم أعلم من سيبويه ، ونحو ذلك . الأخفش
وقد فضل الله بعض النبيين على بعض ، كما قال - تعالى - :
ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض .
.
[ ص: 133 ] وقال - تعالى - :
وتلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض .