الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 250 ] ومما ينبغي أن يعرف : أن الكتب المتقدمة بشرت بالمسيح ، كما بشرت بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أنذرت بالمسيح الدجال .

والأمم الثلاثة - المسلمون واليهود والنصارى - متفقون على أن الأنبياء أنذرت بالمسيح الدجال ، وحذرت منه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ما من نبي إلا وقد أنذر أمته المسيح الدجال ، حتى نوح أنذره أمته ، وسأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لأمته : إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه ( ك ف ر ) ، يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ .

والأمم الثلاثة متفقون على أن الأنبياء بشروا بمسيح من ولد داود . فالأمم الثلاثة متفقون على الإخبار بمسيح هدى ، من نسل داود ، [ ص: 251 ] ومسيح ضلالة ، وهم متفقون على أن مسيح الضلالة لم يأت بعد ، ومتفقون على أن مسيح الهدى سيأتي - أيضا - .

ثم المسلمون والنصارى متفقون على أن مسيح الهدى هو عيسى ابن مريم ، واليهود ينكرون أن يكون هو عيسى ابن مريم ، مع إقرارهم بأنه من ولد داود .

قالوا : " لأن المسيح المبشر به تؤمن به الأمم كلها " ، وزعموا أن المسيح ابن مريم إنما بعث بدين النصارى ، وهو دين ظاهر البطلان .

والنصارى تقر بأن المسيح مسيح الهدى بعث ، ومقرون بأنه سيأتي مرة ثانية ، لكن يزعمون أن هذا الإتيان الثاني هو يوم القيامة ، ليجزي الناس بأعمالهم ، وهو - في زعمهم - هو الله ، والله الذي هو اللاهوت يأتي في ناسوته ، كما زعموا أنه جاء قبل ذلك .

وأما المسلمون ; فآمنوا بما أخبرت به الأنبياء على وجهه وهو [ ص: 252 ] موافق لما أخبر به خاتم الرسل ، حيث قال في الحديث الصحيح : يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا ، وإماما مقسطا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية .

وأخبر في الحديث الصحيح : أنه إذا خرج مسيح الضلالة الأعور الكذاب ، نزل عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، بين مهرودتين ، واضعا يديه على منكبي ملكين . فإذا رآه الدجال انماع كما ينماع الملح في الماء ، فيدركه فيقتله بالحربة عند باب لد الشرقي ، على بضع عشرة خطوات منه ، وهذا تفسير قوله تعالى :

[ ص: 253 ] ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) .

أي : يؤمن بالمسيح قبل أن يموت ، حين نزوله إلى الأرض ، وحينئذ لا يبقى يهودي ولا نصراني ، ولا يبقى إلا دين الإسلام ، وهذا موجود في نعته عند أهل الكتاب .

ولكن النصارى ظنوا مجيئه بعد قيام القيامة ، وأنه هو الله ، فغلطوا في ذلك كما غلطوا في مجيئه الأول ; حيث ظنوا أنه هو الله ، واليهود أنكروا مجيئه الأول ، وظنوا أن الذي بشر به ليس إياه ، وليس هو الذي يأتي آخرا ، وصاروا ينتظرون غيره ، وإنما هو بعث إليهم أولا فكذبوه ، وسيأتيهم ثانيا فيؤمن به كل من على وجه الأرض من يهودي ونصراني إلا من قتل أو مات ، ويظهر كذب هؤلاء الذين كذبوه ، ورموا أمه بالفرية ، وقالوا : إنه ولد زنى ، وهؤلاء الذين غلوا فيه ، وقالوا : إنه الله .

ولما كان المسيح عليه السلام نازلا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم صار بينه وبين محمد - من الاتصال - ما ليس بينه وبين غير محمد ; ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : إن أولى الناس بابن مريم لأنا ، إنه ليس بيني وبينه [ ص: 254 ] نبي ، وروي : كيف تهلك أمة أنا في أولها ، وعيسى في آخرها . وهذا مما يظهر به مناسبة اقترانهما ، فيما رواه أشعياء ; حيث قال : " راكب الحمار وراكب الجمل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية