[ ص: 250 ] ومما ينبغي أن يعرف : أن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكذلك أنذرت الكتب المتقدمة بشرت بالمسيح ، كما بشرت بالمسيح الدجال .
والأمم الثلاثة - المسلمون واليهود والنصارى - متفقون على أن بالمسيح الدجال ، وحذرت منه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : الأنبياء أنذرت المسيح الدجال ، حتى نوح أنذره أمته ، وسأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لأمته : إنه أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه ( ك ف ر ) ، يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ . ما من نبي إلا وقد أنذر أمته
والأمم الثلاثة متفقون على أن الأنبياء بشروا بمسيح من ولد داود . فالأمم الثلاثة متفقون على الإخبار بمسيح هدى ، من نسل داود ، [ ص: 251 ] ومسيح ضلالة ، وهم متفقون على أن مسيح الضلالة لم يأت بعد ، ومتفقون على أن مسيح الهدى سيأتي - أيضا - .
ثم المسلمون والنصارى متفقون على أن مسيح الهدى هو عيسى ابن مريم ، واليهود ينكرون أن يكون هو عيسى ابن مريم ، مع إقرارهم بأنه من ولد داود .
قالوا : " لأن المسيح المبشر به تؤمن به الأمم كلها " ، وزعموا أن المسيح ابن مريم إنما بعث بدين النصارى ، وهو دين ظاهر البطلان .
والنصارى تقر بأن المسيح مسيح الهدى بعث ، ومقرون بأنه سيأتي مرة ثانية ، لكن يزعمون أن هذا الإتيان الثاني هو يوم القيامة ، ليجزي الناس بأعمالهم ، وهو - في زعمهم - هو الله ، والله الذي هو اللاهوت يأتي في ناسوته ، كما زعموا أنه جاء قبل ذلك .
وأما المسلمون ; فآمنوا بما أخبرت به الأنبياء على وجهه وهو [ ص: 252 ] موافق لما أخبر به خاتم الرسل ، حيث قال في الحديث الصحيح : ابن مريم حكما عدلا ، وإماما مقسطا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويضع الجزية . يوشك أن ينزل فيكم
وأخبر في الحديث الصحيح : الدجال انماع كما ينماع الملح في الماء ، فيدركه فيقتله بالحربة عند باب لد الشرقي ، على بضع عشرة خطوات منه ، وهذا تفسير قوله تعالى : أنه إذا خرج مسيح الضلالة الأعور الكذاب ، نزل عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، بين مهرودتين ، واضعا يديه على منكبي ملكين . فإذا رآه
[ ص: 253 ] ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) .
أي : يؤمن بالمسيح قبل أن يموت ، حين نزوله إلى الأرض ، وحينئذ لا يبقى يهودي ولا نصراني ، ولا يبقى إلا دين الإسلام ، وهذا موجود في نعته عند أهل الكتاب .
ولكن النصارى ظنوا مجيئه بعد قيام القيامة ، وأنه هو الله ، فغلطوا في ذلك كما غلطوا في مجيئه الأول ; حيث ظنوا أنه هو الله ، واليهود أنكروا مجيئه الأول ، وظنوا أن الذي بشر به ليس إياه ، وليس هو الذي يأتي آخرا ، وصاروا ينتظرون غيره ، وإنما هو بعث إليهم أولا فكذبوه ، وسيأتيهم ثانيا فيؤمن به كل من على وجه الأرض من يهودي ونصراني إلا من قتل أو مات ، ويظهر كذب هؤلاء الذين كذبوه ، ورموا أمه بالفرية ، وقالوا : إنه ولد زنى ، وهؤلاء الذين غلوا فيه ، وقالوا : إنه الله .
ولما كان المسيح عليه السلام نازلا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم صار بينه وبين محمد - من الاتصال - ما ليس بينه وبين غير محمد ; ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : بابن مريم لأنا ، إنه ليس بيني وبينه [ ص: 254 ] نبي ، وروي : إن أولى الناس وعيسى في آخرها . وهذا مما يظهر به مناسبة اقترانهما ، فيما رواه كيف تهلك أمة أنا في أولها ، أشعياء ; حيث قال : " راكب الحمار وراكب الجمل " .