وفي حديث ، عن مسلم أسماء بنت أبي بكر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيكون في ثقيف كذاب ، ومبير ، . [ ص: 123 ] وظهر الكذاب من ثقيف ، وهو الذي أظهر التشيع والانتصار المختار بن أبي عبيد الثقفي للحسين ، وقتل عبيد الله بن زياد وغيره من قتلة الحسين ، ثم أظهر أنه يوحى إليه ، وأنه ينزل عليه ، حتى قيل [ ص: 124 ] لابن عمر عنه ، قيل لأحدهما : إنه يوحى إليه ، وللآخر : إنه ينزل عليه . فقال أحدهما : وابن عباس وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ، وقال الآخر : هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم ، وأما المبير فكان هو ، وكان مبيرا سفاكا للدماء بغير حق ، انتصارا لملك الحجاج بن يوسف الثقفي الذي استنابه . وفي الصحيحين ، عن عبد الملك بن مروان أنه قال : لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة حتى فرغ من حديثه ، ثم جمعتها إلى صدري فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا سمعته منه علي . وفي الصحيحين عن أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي فيجمعه إلى صدره ، فإنه لن ينسى شيئا سمعه ، فبسطت بردة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جابر بن سمرة قريش . وفي لفظ : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر [ ص: 125 ] خليفة ، كلهم من ، وفي رواية إلى اثني عشر أميرا : لأبي داود الطيالسي كلهم يجتمع عليهم الأمة ، وفي رواية ، فقالوا : . قال ثم يكون ماذا ؟ قال : ثم يكون الهرج : وفي الرواية الأولى بيان العدد ، وفي الأخرى بيان المراد بالعدد ، وقد بين وقوع الهرج ، وهو القتل بعدهم . وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت أبو بكر البيهقي ، ثم وقع الهرج والفتنة العظمى ، وإنما يزيدون على العدد المذكور إذا تركت الصفة المذكورة فيه ، أو عد معهم من كان بعد الهرج . وفي الصحيحين عن الوليد بن يزيد [ ص: 126 ] بن عبد الملك قال : جابر . وفي الصحيحين عن قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل لك من أنماط ؟ قلت : يا رسول الله ، وأنى يكون لي أنماط ، فأنا أقول اليوم لامرأتي : نحي عنك أنماطك ، فتقول : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها ستكون لكم أنماط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ابن عباس قال بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب ، ففظعتهما وكرهتهما ، فأذن لي فنفختهما فطارا ، فأولتهما كذابين [ ص: 127 ] يخرجان بعدي عبيد الله : أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن ، والآخر مسيلمة . وفي الصحيحين من حديث قال : ابن عمر . وفي بعض طرق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مستقبل المشرق : ها ، إن الفتنة ها هنا ، إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان : قام خطيبا فأشار بيده نحو مسكن البخاري فقال : وذكر الحديث . فالمشرق عن مدينته فيه عائشة البحرين ، ومنها خرج مسيلمة [ ص: 128 ] الكذاب الذي ادعى النبوة ، وهو أول حادث حدث بعده ، واتبعه خلائق ، وقاتله خليفته ، وروى الصديق أبو حاتم في صحيحيه عن قال : جابر بن عبد الله اليمامة ، ومنهم صاحب صنعاء العنسي ، ومنهم صاحب حمير ، ومنهم الدجال ، وهو أعظمهم فتنة . وصاحب سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن بين يدي الساعة كذابين ، منهم صاحب اليمامة هو مسيلمة . قال : وقال أصحابي : قال : هم قريب من ثلاثين كذابا . وفي صحيح ، عن مسلم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة . وفي صحيح لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون ، دجالون كذابون ، كلهم يزعم أنه رسول الله ، وحتى يفيض المال ، وتظهر الفتن ، ويكثر [ ص: 129 ] الهرج . قالوا : وما الهرج يا رسول الله ؟ قال : القتل القتل عن ابن حبان قال : أبي ذر ، أين أنت إن أصاب الناس جوع شديد حتى لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع ؟ فقال : الله ورسوله أعلم ، قال : تعفف . قال : يا أبا ذر ، أرأيت إن أصاب الناس موت شديد حتى يكون البيت بالعبد كيف تصنع ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : اصبر . يا أبا ذر ، أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف تصنع ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : اقعد في بيتك ، وأغلق عليك بابك . فقال : أرأيت إن لم أترك ؟ قال : فأت من أنت منه ، فكن فيهم . قال : فآخذ سلاحي ؟ قال : إذا [ ص: 130 ] تشاركهم فيه ، ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فأطلق طرف ردائك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه أبا ذر . وفيه عن ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا ، وأردفني خلفه ، ثم قال : يا قال : ابن مسعود . وأما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو في قبة من أدم ، فيها أربعون رجلا ، فقال : إنكم مفتوحون ، ومنصورون ، فمن أدرك ذلك الزمان منكم فليتق الله ، وليأمر بالمعروف ، ولينه عن المنكر ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار كما تقدم ذكره ، ووقع ما أخبر به . وروى الفتوح التي فتحت عليهم ، والنصرة التي نصروا فقد أخبر به في أوائل مبعثه أبو حاتم في صحيحه ، عن قال : مرض ابن عباس أبو طالب فأتته قريش ، وأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، وعند رأسه مقعد رجل ، فقام أبو جهل فقعد فيه ، فشكوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب فقالوا : إن ابن أخيك يقع في آلهتنا . قال : ما شأن قومك يشكونك يا ابن أخي ؟ قال : يا عم ، [ ص: 131 ] إنما أردتهم على كلمة واحدة تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية . فقال : وما هي ؟ قال : لا إله إلا الله . فقاموا ، فقالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا ؟ قال : ونزلت : ص والقرآن ذي الذكر إلى قوله : إن هذا لشيء عجاب . وفي صحيح ، عن ابن حبان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : لما أقبلت قيس بن أبي حازم قربت ببعض مياه [ ص: 132 ] عائشة بني عامر طرقتهم ليلا فسمعت نباح الكلاب ، فقالت : أي ماء هذا ؟ قالوا : ماء الحوأب ، قالت : ما أظنني رافعة . قالوا : مهلا - يرحمك الله - تقدمين فيراك المسلمون ، فيصلح الله بك . قالت : ما أظنني رافعة ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وفيه أيضا عن كيف بإحداكن ينبح عليها كلاب الحوأب ؟ ابن أبي طالب قال : قال لي ، وقد وضعت رجلي في الغرز ، وأنا أريد عبد الله بن سلام العراق : لا تأت [ ص: 133 ] العراق فإنك إن تأتهم أصابك ذنب السيف . قال : وايم الله لقد قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال علي أبو الأسود : فقلت في نفسي : ما رأيت كاليوم رجلا محاربا يحدث الناس بمثل هذا . وهذا وأمثاله مما أخبر به صلى الله عليه وسلم من المستقبلات فوقع بعده كما أخبر ، ورأى الناس ذلك . وأما ما أخبر به مما لم يقع إلى الآن فكثير ، وقد أخبر بأشياء من المغيبات ، ووقعت في زمانه ، ووجدت كما أخبر ، كما في الصحيحين عن ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل بن سعد خيبر : [ ص: 134 ] لأعطين هذه الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه فكان كذلك . وفي الصحيحين ، عن قال يوم قال : أبي هريرة بلالا فنادى في الناس : إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر . ورواه شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا ، فقال - لرجل ممن يدعي الإسلام - : هذا من أهل النار . فلما حضرنا القتال ، قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة ، فقيل : يا رسول الله ، الرجل الذي قلت له آنفا : إنه من أهل النار ، فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا ، وقد مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إلى النار . فكاد بعض المسلمين أن يرتاب ، فبينا هم على ذلك إذ قيل : فإنه لم يمت ، ولكن به جرحا شديدا ، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقال : الله أكبر ، أشهد أني عبد الله ورسوله . ثم أمر سهل بن [ ص: 135 ] سعد . وفي الصحيحين ، عن رضي الله عنه قال : علي وأبا مرثد الغنوي ، ، والزبير بن العوام والمقداد ، وكلنا فارس ، فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، [ ص: 136 ] فإن بها امرأة معها كتاب من إلى المشركين . فأدركناها تسير على بعير لها خبب فقلنا لها : أين الكتاب ؟ فقالت : ما معي كتاب . قال : فأنخنا بها ، فالتمسنا الكتاب في رحلها ، فلم نر كتابا ، قال : قلنا : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك . قال : فلما رأت أني أهويت إلى حجزتها ، وهي محتجزة بكساء ، أخرجت الكتاب من عقاصها ، فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه : من حاطب إلى ناس من المشركين حاطب بن أبي بلتعة بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ، ما هذا ؟ قال : لا تعجل علي ، إني كنت امرأ [ ص: 137 ] ملصقا في حاطب قريش ، ولم أكن من أنفسها ، وكان من كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ يدا يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفرا ، ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضاء بالكفر بعد الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه قد صدقكم . فقال : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : إنه قد شهد عمر بدرا ، وما يدريك ؟ لعل الله قد اطلع على أهل بدر . فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . فكان في هذا الكتاب إخبار المشركين بأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يغزوهم ، فأعلمه الله بذلك . وفي الصحيحين عن بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أبي هريرة في اليوم الذي مات فيه ، فخرج إلى المصلى وكبر أربع تكبيرات النجاشي ، وفي رواية عن نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ، قال : جابر أصحمة النجاشي ، وفي لفظ من رواية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ، قال : أبي هريرة . وفي رواية قد مات اليوم عبد الله [ ص: 138 ] صالح أصحمة . فأمنا ، وصلى عليه قال : عمران بن حصين . يعني إن أخاكم قد مات فصلوا عليه . وروى النجاشي ، عن موسى بن عقبة ، ورواها ابن شهاب ، عروة بن الزبير بمعناه ، قال : ثم ومحمد بن إسحاق إن المشركين اشتدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كأشد ما كانوا ، حتى بلغ بالمسلمين الجهد ، واشتد عليهم البلاء ، وأجمعت قريش في مكرها أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانية ، فلما رأى أبو طالب عمل القوم جمع بني عبد المطلب وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ، ويمنعوه ممن أراد قتله ، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم ، فمنهم من فعله حمية ، ومنهم من فعله [ ص: 139 ] إيمانا ويقينا . فلما عرفت قريش أن القوم قد منعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، واجتمعوا على ذلك ، اجتمع المشركون من قريش ، فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل ، وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق ، لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل . فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين ، واشتد عليهم البلاء والجهد ، وقطعوا عنهم الأسواق فلم يتركوا طعاما يقدم مكة ولا بيعا إلا بادروهم إليه فاشتروه ؛ يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله صلى الله عليه وسلم . زاد في روايته قال : حتى كان يسمع صوت صبيانهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع ، وعدوا على من أسلم ، فأوثقوهم ، وآذوهم ، واشتد البلاء عليهم ، وعظمت الفتنة ، وزلزلوا [ ص: 140 ] زلزالا شديدا . قال ابن إسحاق في تمام حديثه : وكان موسى بن عقبة أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد مكرا به واغتياله ، فإذا نوم الناس أمر أحد بنيه أو إخوته ، أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بعض فرشهم فينام عليه . فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ، ومن بني قصي ، ورجال سواهم من قريش قد ولدتهم نساء بني هاشم ، ورأوا أنهم قد قطعوا الرحم ، واستخفوا بالحق ، واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر ، والبراءة منه ، وبعث الله عز وجل على صحيفتهم التي فيها المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق ، ويقال : كانت معلقة في سقف البيت فلم تترك [ ص: 141 ] اسما لله عز وجل فيها إلا لحسته ، وبقي ما فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم ، وأطلع الله رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب فقال أبو طالب : لا والثواقب ما كذبني فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش ، فلما رأوهم عامدين بجماعتهم أنكروا ذلك ، وظنوا أنهم أخرجوا من شدة البلاء ، فأتوهم ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم أبو طالب ، فقال : قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم ، فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها ، فلعله أن يكون بينكم وبيننا صلح ، وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في صحيفتهم قبل أن يأتوا بها ، فأتوا بصحيفتهم معجبين بها ، لا يشكون أن الرسول مدفوع إليهم ، فوضعوها بينهم ، وقالوا : قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم ، فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد جعلتموه خطرا لهلكة [ ص: 142 ] قومكم وعشيرتكم وفسادهم . فقال أبو طالب : إنما أتيتكم لأعطيكم أمرا فيه نصف ، فإن ابن أخي أخبرني ، ولم يكذبني أن الله عز وجل بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم ، ومحا كل اسم هو له فيها ، وترك فيها غدركم وقطيعتكم إيانا ، وتظاهركم علينا بالظلم ، فإن كان الحديث الذي قال ابن أخي كما قال فأفيقوا فوالله لا نسلمه أبدا حتى نموت من عند آخرنا ، وإن كان الذي قال باطلا دفعناه إليكم فقتلتموه أو استحييتموه . قالوا : قد رضينا بالذي تقول ، ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قد أخبر خبرها ، فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب قالوا : والله إن [ ص: 143 ] كان هذا إلا سحر من صاحبكم ، فارتكسوا وعادوا لشر ما كانوا عليه من كفرهم والشدة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، وعلى رهطه والقيام بما تعاهدوا عليه . فقال أولئك النفر من بني عبد المطلب : إن أولى بالسحر والكذب غيرنا ، فكيف ترون ؟ فإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر من أمرنا ، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم ، وهي في أيديكم طمس الله ما كان فيها من اسم ، وما كان فيها من بغي تركه . أفنحن السحرة أم أنتم ؟ فقال عند ذلك النفر من بني عبد مناف ، وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم منهم أبو البختري ، والمطعم بن عدي ، [ ص: 144 ] وزهير بن أبي أمية بن المغيرة ، وزمعة بن الأسود ، وهشام بن عمرو ، وكانت الصحيفة عنده ، وهو من بني عامر بن لؤي في رجال من أشرافهم ، ووجوههم ، نحن براء مما في هذه الصحيفة ، فقال أبو جهل : هذا أمر قد قضي بليل . وأنشأ أبو طالب يقول في ذلك الشعر ، في شأن صحيفتهم ، ويمتدح النفر الذين تبرءوا منها ، ونقضوا ما كان فيها من عهد ، ويمتدح . قال النجاشي : فلما أفسد الله صحيفة مكرهم ، خرج [ ص: 145 ] النبي صلى الله عليه وسلم فعاشوا وخالطوا الناس موسى بن عقبة . وفي صحيح ، عن البخاري ، قال : عبد الله بن مسعود معتمرا ، فنزل على سعد بن معاذ أمية بن خلف أبي صفوان ، وكان أمية بن خلف إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على فقال سعد بن معاذ لأمية : انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت . قال : انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت ، فطفت ، قال : فخرج به قريبا من نصف النهار فلقيهماأبو جهل فقال : يا أبا صفوان ، من هذا معك ؟ قال : هذا سعد . فقال أبو جهل : ألا أراك تطوف [ ص: 146 ] بالبيت آمنا ، وقد أويتم الصباة ، وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم ، أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما ، فقال له سعد وقد رفع صوته عليه : لئن منعتني من هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة . قال : فقال له أمية : لا ترفع صوتك على أبي الحكم سيد أهل الوادي ، فقال سعد : دعنا منك يا أمية فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه قاتلك . قال : بمكة ؟ قال : لا أدري . ففزع لذلك أمية فزعا شديدا ، وقال : والله ما يكذب محمد فلما رجع أمية إلى أهله قال : يا أم صفوان ألم تري إلى ما قال لي سعد ؟ قالت : وما قال لك ؟ قال : زعم أن محمدا أخبرهم أنه قاتلي ، فقلت له : بمكة ؟ فقال : لا أدري ، فقالت : والله ما يكذب محمد فقال أمية : والله لا أخرج من مكة . فلما كان يوم بدر استنصر أبو جهل الناس ، فقال : أدركوا عيركم . قال : فكره أمية أن يخرج ، فأتاه أبو جهل ، فقال : يا أبا صفوان ، إنك متى يراك الناس قد تخلفت ، وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك ، فلم يزل أبو جهل حتى قال : إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة قال : يا أم صفوان [ ص: 147 ] جهزيني . فقالت له : يا أبا صفوان قد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي . قال : لا ، وما أريد أن أجوز معهم إلا قريبا . قال : فلما خرج أمية جعل لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره فلم يزل كذلك حتى قتله الله ببدر . وعن انطلق قال : كعب بن مالك كان أبي بن خلف أخو بني جمح قد حلف وهو بمكة ليقتلن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفته ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أنا أقتله - إن شاء الله عز وجل - . فأقبل أبي مقنعا في الحديد ، وهو يقول : لا نجوت إن نجا محمد ، فحمل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد [ ص: 148 ] قتله ، فاستقبله من مصعب بن عمير بني عبد الدار يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، فقتل ، وأبصر النبي صلى الله عليه وسلم ترقوة مصعب بن عمير أبي بن خلف من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة ، فطعنه فيها بحربته ، فوقع أبي عن فرسه ، ولم يخرج من طعنته دم فأتاه أصحابه ، فاحتملوه ، وهو يخور خوار الثور ، فقالوا : ما أجزعك ! إنما هو خدش ، فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أقتل أبيا ، ثم قال : والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون ، [ ص: 149 ] فمات إلى النار . ورواه ، عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري سعيد بن المسيب ، وذكره بإسناده ، وهذا لفظه ، وهو مما ذكره الواقدي في مغازيه ، عروة بن الزبير وابن إسحاق ، وغيره . وذكر في مغازيه موسى بن عقبة عمير بن وهب الجمحي لما رجع فل المشركين إلى مكة ، وقد قتل الله من قتل منهم ، أقبل عمير [ ص: 150 ] حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحجر ، فقال صفوان : قبح الله العيش بعد قتلى بدر . قال : أجل ، والله ما في العيش خير بعدهم ، ولولا دين علي لا أجد له قضاء ، وعيال لا أدع لهم شيئا لرحلت إلى محمد فقتلته إن ملأت عيني منه ، فإن لي عنده علة أعتل بها ، أقول قدمت على ابني أفدي هذا الأسير ، ففرح صفوان بقوله ، وقال له : علي دينك ، وعيالك أسوة عيالي في النفقة ، فحمله صفوان وجهزه ، وأمر بسيف عمير فصقل وسم ، فأقبل عمير حتى قدم المدينة فنزل بباب المسجد ، وعقل راحلته ، وأخذ السيف فعمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر إليه ، وهو في نفر من عمر بن الخطاب الأنصار يتحدثون ، فقال : عندكم الكلب ، هذا عدو الله الذي حرش بيننا [ ص: 151 ] يوم عمر بدر ، وحزرنا للقوم . ثم قام حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أقدمك ؟ قال : أسيري عندكم ، ففادونا في أسرائنا فإنكم العشيرة والأهل ، قال : فما بال السيف في عنقك ؟ قال عمر عمير : قبحها الله من سيوف فهل أغنت عنا شيئا ؟ إنما نسيته في عنقي حين نزلت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اصدقني ما أقدمك ؟ قال : ما قدمت إلا في أسيري . قال : فماذا شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ؟ ففزع عمير وقال : ماذا شرطت ؟ ! قال : تحملت له بقتلي على أن يعول بيتك ، ويقضي دينك ، والله حائل بينك وبين ذلك . فقال عمير : أشهد أنك رسول الله ، وأن لا إله إلا الله ، كنا نكذبك بالوحي ، وبما يأتيك من السماء ، وهذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر لم يطلع عليه أحد غيري وغيره ، فأخبرك الله به . وذكر بقية الحديث . [ ص: 152 ] وفي صحيح أن ، عن البخاري قال : أنس بني سليم إلى بني عامر في سبعين ، فلما قدموا قال لهم خالي : أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلا كنتم مني قريبا ، فأمنوه ، فبينما هو يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أومئوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه ، قال : فزت ورب الكعبة ، ثم مالوا [ ص: 153 ] على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل وآخر معه ، فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد لقوا ربهم فرضي الله عنهم وأرضاهم . فكنا نقرأ أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ، ثم نسخ فدعا عليهم أربعين صباحا على رعل ، وذكوان وبني لحيان ، وعصية الذين عصوا الله ورسوله ، وكان في هؤلاء عامر بن فهيرة [ ص: 154 ] قال عنه عامر بن الطفيل : لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض . وفي الصحيحين من حديث بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أقواما من قال : أبي حميد الساعدي تبوك فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة ، فقال رسول الله صلى الله عليه [ ص: 155 ] وسلم : أخرصوها ، فخرصناها ، وخرصها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق ، قال : أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى ، فانطلقنا حتى قدمنا تبوك فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقم فيها أحد فمن كان له بعير فليشد عقاله فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيئ . وروى الإمام ، عن أحمد قال : كان الذي أسر ابن عباس العباس بن عبد المطلب أبو اليسر بن عمرو وهو أحد [ ص: 156 ] كعب بن عمرو بني سلمة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أسرته يا أبا اليسر ؟ فقال : لقد أعانني عليه رجل ما رأيته بعد ، ولا قبل ، هيئته كذا وكذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أعانك عليه ملك كريم . وقال للعباس : يا ، افد نفسك ، وابن أخيك عباس ، عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث ، وحليفك عتبة بن جحدم أخو بني الحارث بن فهر . قال : فإني قد كنت مسلما [ ص: 157 ] قبل ذلك وإنما استكرهوني . قال : الله أعلم بشأنك ، إن يك ما تدعي حقا فالله يجزيك بذلك ، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا ، فافد نفسك . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ منه عشرين أوقية ذهبا . فقال : يا رسول الله ، احسبها لي من فداي . قال : لا ، ذلك شيء أعطانا الله منك . قال : فإنه ليس لي مال . قال : فأين المال الذي وضعته بمكة حين خرجت عند أم الفضل وليس معك أحد غيركما ؟ فقلت : إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا ، ولقثم كذا ، ولعبد الله كذا . قال فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد من الناس غيري وغيرها وإني أعلم أنك لرسول الله . [ ص: 158 ] وفي صحيح خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة البخاري مؤتة ، وأمر عليهم ، وقال إن قتل زيد بن حارثة فجعفر فإن قتل . فروى فعبد الله بن رواحة ، عن البخاري قال : نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك زيدا ، وجعفرا ، وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم ، فقال : أخذ الراية فأصيب ، ثم أخذها زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، وإن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة سيف من سيوف الله ، حتى فتح الله عليهم خالد بن الوليد لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم الجيش في غزوة
.