[ ص: 215 ] والنوع الرابع : الماء والطعام والثمار  ، الذي كان يكثر ببركته فوق العادة ، وهذا باب واسع نذكر منه ما تيسر : أما الماء : ففي الصحيحين عن  أنس  أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فأتي بقدح رحراح فجعل القوم يتوضئون ، قال : فحزرت ما بين السبعين إلى الثمانين   . وفي رواية عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في بعض مخارجه ومعه أناس من أصحابه ، فانطلقوا يسيرون ، فحضرت الصلاة فلم يجدوا ما يتوضئون به ، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح فيه ماء يسير ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم مد أصابعه الأربع على القدح ثم  [ ص: 216 ] قال : قوموا فتوضئوا ، وكانوا سبعين أو نحوه  . وفيهما عن  أنس  أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالزوراء ،   - والزوراء  بالمدينة  عند السوق والمسجد ثمه - دعا بقدح فيه ماء فوضع فيه كفه فجعل ينبع بين أصابعه فتوضأ جميع أصحابه  . وفي الصحيحين عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر ، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء ، فوضع في ذلك الإناء يده ، وأمر الناس أن يتوضئوا منه . قال : فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه ، حتى توضئوا من عند آخرهم  .  [ ص: 217 ] وفي الصحيحين عن  جابر  قال : قد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد حضرت صلاة العصر ، وليس معنا ماء غير فضلة ، فجعل في إناء فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل يده فيه ، وفرج أصابعه ، وقال : حي على الوضوء ، والبركة من الله . فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه ، فتوضأ الناس وشربوا ، فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه ، فعلمت أنه بركة ، قلت :  لجابر :  كم كنتم يومئذ ؟ قال : ألفا وأربعمائة  . وفي صحيح  البخاري ،  عن  جابر  أيضا قال : عطش الناس يوم الحديبية  والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة ، فتوضأ ، فجهش الناس نحوه ، فقال : ما لكم ؟ قالوا : ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك . فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون ، فشربنا وتوضأنا . قلت : كم كنتم ؟ قال : لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا خمس عشرة مائة  .  [ ص: 218 ] وفي  البخاري ،  عن  البراء بن عازب  قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ،  وقد كان فتح مكة  فتحا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية  كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة ، والحديبية  بئر ، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ، ثم تمضمض ودعا ، ثم صبه فيها ، فتركناها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا ، وكنا ألفا وأربعمائة ، أو أكثر من ذلك  . وفي صحيح  مسلم ،  عن  سلمة بن الأكوع  قال : قدمنا الحديبية  مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن أربع عشرة مائة ، أو أكثر من ذلك ، وعليها خمسون شاة لا ترويها ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الركية ، فإما دعا وإما بصق فيها ، قال : فجاشت فسقينا واستقينا  .  [ ص: 219 ] وعن  ابن عباس  قال : ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بلالا  فطلب  بلال  الماء ، ثم جاء ، فقال : لا والله ما وجدت الماء . فقال : النبي صلى الله عليه وسلم : فهل من شن ؟ فأتاه بشن فبسط كفيه فيها فانبعثت من يده عين . قال : فكان  ابن مسعود  يشرب وغيره يتوضأ  . وعن  جابر بن عبد الله  قال : غزونا أو سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن يومئذ بضعة عشر ومائتين ، فحضرت الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل في القوم من طهور ؟ فجاء رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء ، وليس في القوم ماء غيره ، فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح ، ثم توضأ فأحسن الوضوء ، ثم انصرف وترك القدح ، فركب الناس ذلك القدح وقالوا : تمسحوا تمسحوا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلكم . حين سمعهم يقولون ذلك ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفه في الماء والقدح ، فقال : بسم الله .  [ ص: 220 ] ثم قال : أسبغوا الطهور . فوالذي هو ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون - عيون الماء - تخرج من بين أصابعه ، فلم يرفعها حتى توضئوا أجمعون  . رواهما  الدارمي  في مسنده . وفي صحيح  البخاري ،  عن  عبد الله بن مسعود  قال : كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفا ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء ، فقال : اطلبوا فضلة من ماء . فجاءونا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده في الإناء ، ثم قال : حي على الوضوء المبارك ، والبركة من الله . فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه  وسلم ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل   . وروى  مسلم  في صحيحه عن  معاذ بن جبل  قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك  فكان يجمع الصلاة ، فصلى الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا ، حتى إذا كان يوم أخر الصلاة ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل ثم خرج بعد ذلك ، فصلى المغرب والعشاء جميعا ، ثم قال :  [ ص: 221 ] إنكم ستأتون غدا - إن شاء الله - عين تبوك ،  ، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار ، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا ، حتى آتي . فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان ، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء ، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل مسيتما من مائها شيئا ؟ قالا : نعم . فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال لهما ما شاء الله أن يقول ، ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا ، حتى اجتمع شيء ، قال : وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يديه ووجهه ثم أعاده فيها ، فجرت العين بماء منهمر ، أو قال : غزير ، فسقى الناس ، ثم قال : يوشك - يا  معاذ  إن طالت بك حياة - أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانا  .  [ ص: 222 ] وفي صحيح  مسلم  حديث  جابر  الذي رواه  عبادة بن الوليد ،  وقد تقدم أوله في قصة الشجرتين ، وانقيادهما ، ثم افتراقهما ، ووضع الغصن على القبرين ، وقال في آخره : فأتينا العسكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا  جابر ،  ناد بوضوء . فقال : ألا وضوء ، ألا وضوء . قال : قلت : يا رسول الله ، ما وجدت في الركب من قطرة ، وكان رجل من الأنصار  يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في أشجاب له ، فقال لي : انطلق إلى فلان فانظر هل في أشجابه من شيء ؟ قال : فانطلقت إليه ، فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب ، منها لو أني أفرغه لشربه يابسه .  [ ص: 223 ] فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب ، منها لو أني أفرغه لشربه يابسه . قال : اذهب ، فأتني به . فأتيته به فأخذه بيده ، فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ، ويغمزه بيده ، ثم أعطانيه ، ثم فقال : يا  جابر ،  ناد بجفنة الركب . فقلت : يا جفنة الركب . فأتيت بها تحمل ، فوضعتها بين يديه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة ، فقال : خذ يا  جابر ،  فصب علي وقل : باسم الله . فصببت عليه ، وقلت : باسم الله . فرأيت الماء يفور من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ، ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت ، فقال : يا  جابر ،  ناد من كانت له حاجة بماء . قال : فأتى الناس ، فاستقوا حتى رووا . قال : فقلت : هل بقي أحد له حاجة ؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى  . وفي الصحيحين ، عن  عمران بن حصين ،  قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فأدلجنا ليلتنا ، حتى إذا كان  [ ص: 224 ] وجه الصبح عرسنا ، فغلبتنا أعيننا ، حتى بزغت الشمس ، فكان أول من استيقظ منا  أبو بكر الصديق ،  وكنا لا نوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه ، حتى يكون هو الذي يستيقظ ؛ لأنا لا ندري ماذا يحدث له في نومه ، ثم استيقظ  عمر  فجعل يكبر حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت . قال : ارتحلوا . فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس ، نزل فصلى بنا الغداة ، فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا ، فلما انصرف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا فلان ، ما منعك أن تصلي معنا ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء . فقال له : عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك . فتيمم بالصعيد فصلى ، ثم عجلني في ركب بين يديه يطلب الماء ، وقد عطشنا عطشا شديدا . فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين ، فقلنا لها : أين الماء ؟ فقالت : إيهاه إيهاه لا ماء لكم . فقلت : كم بين أهلك وبين الماء ؟ قالت : مسيرة يوم وليلة . قلنا : انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : وما رسول الله ؟ فلم نملكها من أمرها شيئا ، حتى انطلقنا بها ، واستقبلنا بها رسول الله  [ ص: 225 ] صلى الله عليه وسلم فسألها ، فأخبرته مثل الذي أخبرتنا ، وأخبرته أنها موتمة لها صبيان أيتام . فأمر براويتها فأنيخت ، فمج في العزلاوين العلياوين ، ثم بعث براويتها فشربنا ونحن أربعون رجلا عطاشا ، حتى روينا ، وملأنا كل راوية ، وملأنا كل قربة معنا وإداوة ، وغسلنا صاحبنا غير أنا لم نسق بعيرا ، وهي تكاد تتضرج من الماء - يعني المزادتين - ثم قال : هاتوا ما كان عندكم . فجمعنا لها من كسر ، وتمر ، وصر لها صرة ، فقال لها : اذهبي فأطعمي هذا عيالك ، واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئا . فلما أتت أهلها قالت : لقد لقيت أسحر البشر ، أو إنه لنبي كما زعم ، كان من أمره ذيت وذيت . فهدى الله عز وجل ذلك القوم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا  .  [ ص: 226 ] وفي الصحيحين ، عن أبي قتادة  قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم ، وتأتون الماء غدا - إن شاء الله - فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد ، وذكر حديث النوم في الوادي ، فقال : ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء ، فتوضأ منها وضوءا دون وضوء ، وبقي فيها شيء من ماء ، ثم قال : لأبي قتادة   : احفظ علينا ميضأتك ؛ فسيكون لها نبأ . ثم قال : أصبح الناس فقدوا نبيهم . فقال :  أبو بكر ،   وعمر   : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدكم لم يكن ليخلفكم . وقال الناس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم فإن تطيعوا  أبا بكر ،   وعمر  ترشدوا . قال : فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار ، وحمي كل شيء ، وهم يقولون : يا رسول الله ، هلكنا عطشا . فقال :  [ ص: 227 ] لا هلك عليكم . ثم قال : أطلقوا لي غمري . قال : ودعا بالميضأة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة  يسقيهم ، فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة ، تكابوا عليها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسنوا الملأ كلكم سيروى . قال : ففعلوا ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب ، وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صب ، فقال لي : اشرب . فقلت : لا أشرب حتى يشرب رسول الله ، قال : إن ساقي القوم آخرهم شربا . فشربت وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأتى الناس الماء جامين رواء  . قال : عبد الله بن رباح   : إني لأحدث بهذا الحديث في مسجد  [ ص: 228 ] الجامع إذ قال لي  عمران بن حصين  انظر كيف تحدث ، فأنا أحد الركب تلك الليلة . فقلت : أنت أعلم . فقال : ممن أنت ؟ قلت : من الأنصار   . قال : أنتم أعلم بحديثكم . قال : عمران   : لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته . وفي مسند  الإمام أحمد ،  ورواه  أبو يعلى الموصلي ،  عن  البراء بن عازب  قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا على ركي ذمة ، قال : فنزل ستة أنا سابعهم ، أو سبعة أنا ثامنهم . قال : فأدليت إلي دلو ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على شفة الركي ، فجعلنا فيها نصفها ، أو قريب ثلثيها ، فرفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فكدت بإنائي أجد سقيا أجعله في حلقي فما وجدت ، قال : فغمس رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فيها ، وقال ما شاء الله أن يقول فأعيدت إلينا الدلو وما فيها ، قال :  [ ص: 229 ] فرأيت آخرنا أخرج بثوب مخافة الغرق قال : وساحت  . وفي الحديث الذي رواه  الإمام أحمد ،   والترمذي ،   وأبو داود ،   وابن ماجه  طرف منه عن زياد بن الحارث الصداي  قال في آخره : ثم قلنا : يا نبي الله ، إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها ، واجتمعنا عليها ، وإذا كان الصيف قل ماؤها ، فتفرقنا على مياه حولنا ، وقد أسلمنا ، وكل من حولنا عدو ، فادع الله في بئرنا أن يسعنا ماؤها ، فنجتمع عليها ولا نتفرق ، فدعا بسبع حصيات فعركهن في يده ، ودعا فيهن ، ثم قال : اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر ، فألقوا واحدة واحدة ، واذكروا اسم الله عز وجل . قال الصداي   : ففعلنا ما قال لنا ، فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها  .  [ ص: 230 ] وروى  الإمام أحمد ،  عن  ابن عباس  قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وليس في العسكر ماء ، فأتاه رجل ، فقال : يا رسول الله ، ليس في العسكر ماء ، قال : هل عندك شيء ؟ قال : نعم . قال : فأتني به . قال : فأتاه بإناء فيه شيء من ماء قليل ، قال : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في فم الإناء ، وفتح أصابعه ، قال : فانفجرت من بين أصابعه عيون ، وأمر بلالا ، فقال : ناد في الناس الوضوء المبارك  . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					