الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
النوع الثالث : آثاره في الأشجار والخشب ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال : كان المسجد مسقوفا على جذوع النخل ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها ، فلما صنع المنبر فكان عليه سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار ، حتى جاء النبي صلى الله عليه [ ص: 209 ] وسلم فوضع يده عليها فسكنت . وفي رواية فصاحت النخلة صياح الصبي . وفي الصحيح عن جابر : أن امرأة من الأنصار قالت : يا رسول الله ، ألا أجعل لك شيئا تقعد عليه ، فإن لي غلاما نجارا ، قال : إن شئت . فعملت له المنبر . فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر الذي صنع له ، فصاحت النخلة التي كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق ، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه ، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت . [ ص: 210 ] وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح ، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من ماء ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به ، فإذا شجرتان بشاطئ الوادي ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصنين من أغصانها ، فقال : انقادي علي بإذن الله . فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده ، حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها ، فقال : انقادي علي بإذن الله ، فانقادت معه كذلك ، حتى إذا كان بالمنصف فيما بينهما فلأم بينهما ، حتى جمع بينهما ، فقال : التئما علي - بإذن الله تعالى - فالتأمتا عليه . فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله [ ص: 211 ] صلى الله عليه وسلم بقربي فيتباعد ، فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا ، وإذا الشجرتان قد افترقتا ، فقامت كل واحدة منهما على ساق ، وذكر الحديث .

وعن ابن عباس قال : جاء رجل من بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرني الخاتم الذي بين كتفيك ، فإنني من أطب الناس ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أريك آية ؟ قال : بلى . قال : فنظر إلى نخلة . فقال : ادع ذلك العذق . فجاءه ينقز حتى قام بين يديه ، فقال له : ارجع . فرجع . [ ص: 212 ] وفي رواية الترمذي : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : بم أعرف أنك نبي ؟ قال : إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة تشهد أني رسول الله . قال : نعم . فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : ارجع . فعاد ، فأسلم الأعرابي . وروى الدارمي ، عن عبد الله بن عمر قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له النبي صلى الله عليه وسلم : أين تريد ؟ قال : إلى أهلي . قال : هل لك في خير ؟ قال : ما هو ؟ قال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . فقال : ومن يشهد على ما تقول ؟ قال : هذه السلمة . فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بشاطئ الوادي ، فأقبلت تخد الأرض ، حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا ، فشهدت ثلاثا أنه كما قال ، ثم رجعت إلى منبتها ، ورجع الأعرابي [ ص: 213 ] إليه ، فقال : إن اتبعوني أتيتك بهم ، وإلا رجعت فكنت معك . ورواه الدارمي أيضا قال فيه : فجاءت النخلة تنقز بين يديه ، ثم قال لها : ارجعي فعادت إلى مكانها . وفي الصحيحين ، عن معن بن عبد الرحمن قال : سمعت أبي يقول : سألت مسروقا من آذن النبي صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن ؟ فقال : حدثني أبوك - يعني ابن مسعود - أنه قال : آذنته بهم شجرة . وفي الترمذي ، عن علي قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه [ ص: 214 ] وسلم بمكة ، فخرجنا في بعض نواحيها ، فما استقبله شجر ولا جبل إلا وهو يقول : السلام عليك يا رسول الله . رواه الحاكم في صحيحه . وروى الإمام أحمد ، عن أنس بن مالك قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، وهو جالس حزين قد خضب بالدماء ، ضربه بعض أهل مكة فقال له : ما لك ؟ قال : فقال : فعل هؤلاء وفعلوا . فقال له جبريل : أتحب أني أريك آية ؟ فقال : نعم . فنظر إلى شجرة من وراء الوادي ، فقال : ادع تلك الشجرة . فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه . فقال : مرها فلترجع إلى مكانها . فقال لها : ارجعي . فرجعت حتى عادت إلى مكانها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : حسبي . ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده .

التالي السابق


الخدمات العلمية