الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 215 ] والنوع الرابع : الماء والطعام والثمار ، الذي كان يكثر ببركته فوق العادة ، وهذا باب واسع نذكر منه ما تيسر : أما الماء : ففي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء فأتي بقدح رحراح فجعل القوم يتوضئون ، قال : فحزرت ما بين السبعين إلى الثمانين . وفي رواية عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في بعض مخارجه ومعه أناس من أصحابه ، فانطلقوا يسيرون ، فحضرت الصلاة فلم يجدوا ما يتوضئون به ، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح فيه ماء يسير ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ ثم مد أصابعه الأربع على القدح ثم [ ص: 216 ] قال : قوموا فتوضئوا ، وكانوا سبعين أو نحوه . وفيهما عن أنس أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالزوراء ، - والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد ثمه - دعا بقدح فيه ماء فوضع فيه كفه فجعل ينبع بين أصابعه فتوضأ جميع أصحابه . وفي الصحيحين عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر ، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء ، فوضع في ذلك الإناء يده ، وأمر الناس أن يتوضئوا منه . قال : فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه ، حتى توضئوا من عند آخرهم . [ ص: 217 ] وفي الصحيحين عن جابر قال : قد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد حضرت صلاة العصر ، وليس معنا ماء غير فضلة ، فجعل في إناء فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل يده فيه ، وفرج أصابعه ، وقال : حي على الوضوء ، والبركة من الله . فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه ، فتوضأ الناس وشربوا ، فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه ، فعلمت أنه بركة ، قلت : لجابر : كم كنتم يومئذ ؟ قال : ألفا وأربعمائة . وفي صحيح البخاري ، عن جابر أيضا قال : عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة ، فتوضأ ، فجهش الناس نحوه ، فقال : ما لكم ؟ قالوا : ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك . فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون ، فشربنا وتوضأنا . قلت : كم كنتم ؟ قال : لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا خمس عشرة مائة . [ ص: 218 ] وفي البخاري ، عن البراء بن عازب قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر ، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ، ثم تمضمض ودعا ، ثم صبه فيها ، فتركناها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا ، وكنا ألفا وأربعمائة ، أو أكثر من ذلك . وفي صحيح مسلم ، عن سلمة بن الأكوع قال : قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن أربع عشرة مائة ، أو أكثر من ذلك ، وعليها خمسون شاة لا ترويها ، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبا الركية ، فإما دعا وإما بصق فيها ، قال : فجاشت فسقينا واستقينا . [ ص: 219 ] وعن ابن عباس قال : ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بلالا فطلب بلال الماء ، ثم جاء ، فقال : لا والله ما وجدت الماء . فقال : النبي صلى الله عليه وسلم : فهل من شن ؟ فأتاه بشن فبسط كفيه فيها فانبعثت من يده عين . قال : فكان ابن مسعود يشرب وغيره يتوضأ . وعن جابر بن عبد الله قال : غزونا أو سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونحن يومئذ بضعة عشر ومائتين ، فحضرت الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل في القوم من طهور ؟ فجاء رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء ، وليس في القوم ماء غيره ، فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح ، ثم توضأ فأحسن الوضوء ، ثم انصرف وترك القدح ، فركب الناس ذلك القدح وقالوا : تمسحوا تمسحوا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلكم . حين سمعهم يقولون ذلك ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفه في الماء والقدح ، فقال : بسم الله . [ ص: 220 ] ثم قال : أسبغوا الطهور . فوالذي هو ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون - عيون الماء - تخرج من بين أصابعه ، فلم يرفعها حتى توضئوا أجمعون . رواهما الدارمي في مسنده . وفي صحيح البخاري ، عن عبد الله بن مسعود قال : كنا نعد الآيات بركة ، وأنتم تعدونها تخويفا ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء ، فقال : اطلبوا فضلة من ماء . فجاءونا بإناء فيه ماء قليل ، فأدخل يده في الإناء ، ثم قال : حي على الوضوء المبارك ، والبركة من الله . فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل . وروى مسلم في صحيحه عن معاذ بن جبل قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك فكان يجمع الصلاة ، فصلى الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا ، حتى إذا كان يوم أخر الصلاة ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل ثم خرج بعد ذلك ، فصلى المغرب والعشاء جميعا ، ثم قال : [ ص: 221 ] إنكم ستأتون غدا - إن شاء الله - عين تبوك ، ، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار ، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا ، حتى آتي . فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان ، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء ، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل مسيتما من مائها شيئا ؟ قالا : نعم . فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال لهما ما شاء الله أن يقول ، ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا ، حتى اجتمع شيء ، قال : وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يديه ووجهه ثم أعاده فيها ، فجرت العين بماء منهمر ، أو قال : غزير ، فسقى الناس ، ثم قال : يوشك - يا معاذ إن طالت بك حياة - أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانا . [ ص: 222 ] وفي صحيح مسلم حديث جابر الذي رواه عبادة بن الوليد ، وقد تقدم أوله في قصة الشجرتين ، وانقيادهما ، ثم افتراقهما ، ووضع الغصن على القبرين ، وقال في آخره : فأتينا العسكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جابر ، ناد بوضوء . فقال : ألا وضوء ، ألا وضوء . قال : قلت : يا رسول الله ، ما وجدت في الركب من قطرة ، وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الماء في أشجاب له ، فقال لي : انطلق إلى فلان فانظر هل في أشجابه من شيء ؟ قال : فانطلقت إليه ، فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب ، منها لو أني أفرغه لشربه يابسه . [ ص: 223 ] فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، إني لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب ، منها لو أني أفرغه لشربه يابسه . قال : اذهب ، فأتني به . فأتيته به فأخذه بيده ، فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ، ويغمزه بيده ، ثم أعطانيه ، ثم فقال : يا جابر ، ناد بجفنة الركب . فقلت : يا جفنة الركب . فأتيت بها تحمل ، فوضعتها بين يديه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده في الجفنة ، فقال : خذ يا جابر ، فصب علي وقل : باسم الله . فصببت عليه ، وقلت : باسم الله . فرأيت الماء يفور من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ، ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت ، فقال : يا جابر ، ناد من كانت له حاجة بماء . قال : فأتى الناس ، فاستقوا حتى رووا . قال : فقلت : هل بقي أحد له حاجة ؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملأى . وفي الصحيحين ، عن عمران بن حصين ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فأدلجنا ليلتنا ، حتى إذا كان [ ص: 224 ] وجه الصبح عرسنا ، فغلبتنا أعيننا ، حتى بزغت الشمس ، فكان أول من استيقظ منا أبو بكر الصديق ، وكنا لا نوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه ، حتى يكون هو الذي يستيقظ ؛ لأنا لا ندري ماذا يحدث له في نومه ، ثم استيقظ عمر فجعل يكبر حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت . قال : ارتحلوا . فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس ، نزل فصلى بنا الغداة ، فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا ، فلما انصرف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا فلان ، ما منعك أن تصلي معنا ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء . فقال له : عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك . فتيمم بالصعيد فصلى ، ثم عجلني في ركب بين يديه يطلب الماء ، وقد عطشنا عطشا شديدا . فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين ، فقلنا لها : أين الماء ؟ فقالت : إيهاه إيهاه لا ماء لكم . فقلت : كم بين أهلك وبين الماء ؟ قالت : مسيرة يوم وليلة . قلنا : انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت : وما رسول الله ؟ فلم نملكها من أمرها شيئا ، حتى انطلقنا بها ، واستقبلنا بها رسول الله [ ص: 225 ] صلى الله عليه وسلم فسألها ، فأخبرته مثل الذي أخبرتنا ، وأخبرته أنها موتمة لها صبيان أيتام . فأمر براويتها فأنيخت ، فمج في العزلاوين العلياوين ، ثم بعث براويتها فشربنا ونحن أربعون رجلا عطاشا ، حتى روينا ، وملأنا كل راوية ، وملأنا كل قربة معنا وإداوة ، وغسلنا صاحبنا غير أنا لم نسق بعيرا ، وهي تكاد تتضرج من الماء - يعني المزادتين - ثم قال : هاتوا ما كان عندكم . فجمعنا لها من كسر ، وتمر ، وصر لها صرة ، فقال لها : اذهبي فأطعمي هذا عيالك ، واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئا . فلما أتت أهلها قالت : لقد لقيت أسحر البشر ، أو إنه لنبي كما زعم ، كان من أمره ذيت وذيت . فهدى الله عز وجل ذلك القوم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا . [ ص: 226 ] وفي الصحيحين ، عن أبي قتادة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم ، وتأتون الماء غدا - إن شاء الله - فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد ، وذكر حديث النوم في الوادي ، فقال : ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء ، فتوضأ منها وضوءا دون وضوء ، وبقي فيها شيء من ماء ، ثم قال : لأبي قتادة : احفظ علينا ميضأتك ؛ فسيكون لها نبأ . ثم قال : أصبح الناس فقدوا نبيهم . فقال : أبو بكر ، وعمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدكم لم يكن ليخلفكم . وقال الناس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم فإن تطيعوا أبا بكر ، وعمر ترشدوا . قال : فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار ، وحمي كل شيء ، وهم يقولون : يا رسول الله ، هلكنا عطشا . فقال : [ ص: 227 ] لا هلك عليكم . ثم قال : أطلقوا لي غمري . قال : ودعا بالميضأة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأبو قتادة يسقيهم ، فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة ، تكابوا عليها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسنوا الملأ كلكم سيروى . قال : ففعلوا ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب ، وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صب ، فقال لي : اشرب . فقلت : لا أشرب حتى يشرب رسول الله ، قال : إن ساقي القوم آخرهم شربا . فشربت وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأتى الناس الماء جامين رواء . قال : عبد الله بن رباح : إني لأحدث بهذا الحديث في مسجد [ ص: 228 ] الجامع إذ قال لي عمران بن حصين انظر كيف تحدث ، فأنا أحد الركب تلك الليلة . فقلت : أنت أعلم . فقال : ممن أنت ؟ قلت : من الأنصار . قال : أنتم أعلم بحديثكم . قال : عمران : لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته . وفي مسند الإمام أحمد ، ورواه أبو يعلى الموصلي ، عن البراء بن عازب قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا على ركي ذمة ، قال : فنزل ستة أنا سابعهم ، أو سبعة أنا ثامنهم . قال : فأدليت إلي دلو ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على شفة الركي ، فجعلنا فيها نصفها ، أو قريب ثلثيها ، فرفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فكدت بإنائي أجد سقيا أجعله في حلقي فما وجدت ، قال : فغمس رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فيها ، وقال ما شاء الله أن يقول فأعيدت إلينا الدلو وما فيها ، قال : [ ص: 229 ] فرأيت آخرنا أخرج بثوب مخافة الغرق قال : وساحت . وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ، وابن ماجه طرف منه عن زياد بن الحارث الصداي قال في آخره : ثم قلنا : يا نبي الله ، إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها ، واجتمعنا عليها ، وإذا كان الصيف قل ماؤها ، فتفرقنا على مياه حولنا ، وقد أسلمنا ، وكل من حولنا عدو ، فادع الله في بئرنا أن يسعنا ماؤها ، فنجتمع عليها ولا نتفرق ، فدعا بسبع حصيات فعركهن في يده ، ودعا فيهن ، ثم قال : اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر ، فألقوا واحدة واحدة ، واذكروا اسم الله عز وجل . قال الصداي : ففعلنا ما قال لنا ، فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها . [ ص: 230 ] وروى الإمام أحمد ، عن ابن عباس قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وليس في العسكر ماء ، فأتاه رجل ، فقال : يا رسول الله ، ليس في العسكر ماء ، قال : هل عندك شيء ؟ قال : نعم . قال : فأتني به . قال : فأتاه بإناء فيه شيء من ماء قليل ، قال : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في فم الإناء ، وفتح أصابعه ، قال : فانفجرت من بين أصابعه عيون ، وأمر بلالا ، فقال : ناد في الناس الوضوء المبارك .

التالي السابق


الخدمات العلمية