الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 247 ] وأما تكثير الثمار ففي صحيح البخاري ، عن جابر بن عبد الله أن أباه استشهد ، وترك دينا ، وترك ست بنات ، فلما حضر جداد النخل قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : قد علمت أن والدي قد استشهد يوم أحد وترك دينا كثيرا ، وإني أحب أن يراك الغرماء . قال : اذهب فبيدر كل تمر على ناحية . ففعلت ، ثم دعوته ، فلما نظروا إليه كأنهم أغروا بي تلك الساعة ، فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ، ثم جلس عليه ، ثم قال لي : ادع لي أصحابك . فما زال يكيل لهم حتى أدى الله عن والدي أمانته ، وأنا أرضى أن يؤدي الله عن والدي أمانته ، ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة ، [ ص: 248 ] فسلم الله البيادر كلها ، حتى إني لأنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم كأنها لم تنقص تمرة واحدة . وفي رواية : أن أباه ترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود ، فاستنظره جابر ، فأبى أن ينظره ، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع إليه ، فجاءه ، وكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له ، فأبى ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها ، ثم قال لجابر جد له فأوف له . فجد له بعد ما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقا ، وفضل له سبعة عشر وسقا ، فجاء جابر ليخبره بالذي كان ، فوجده يصلي العصر ، فلما انصرف أخبره بالفضل ، فقال : أخبر بذلك ابن الخطاب . فذهب جابر إلى عمر ، فأخبره ، فقال عمر : لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركن فيها . وروى الإمام أحمد ، والترمذي ، وغيرهما حديث مزود أبي [ ص: 249 ] هريرة قال أحمد ، ثنا يونس ، ثنا حماد بن زيد ، عن المهاجر ، عن أبي العالية ، عن أبي هريرة قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات ، وقلت : ادع الله لي فيهن بالبركة . قال : فصفهن بين يديه ، قال : ثم دعا ، فقال لي : اجعلهن في مزودك ، فأدخل يدك ولا تنثره . قال : فجعلت منه كذا وكذا وسقا في سبيل الله ، ونأكل ونطعم ، وكان لا يفارق حقوي ، فلما قتل عثمان انقطع من حقوي فسقط . رواه الترمذي ، عن عمران بن موسى القزاز ، عن [ ص: 250 ] حماد بنحوه ، وقال : حديث حسن غريب من هذا الوجه . ورواه الحافظ عبد الغني وغيره من طريق أخرى ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ، فأصابهم عوز من الطعام فقال يا : أبا هريرة ، عندك شيء ؟ قلت : شيء من التمر في مزود لي قال : جئ به . فجئت بالمزود ، وقال : هات نطعا . فجئت بالنطع فبسطه ، فأدخل يده فقبض على التمر ، فإذا هو إحدى وعشرين تمرة ، قال : ثم قال : بسم الله . فجعل يضع كل تمرة ، ويسمي حتى أتى على التمر ، فقال به هكذا ، فجمعه ، فقال : ادع فلانا ، وأصحابه ، فأكلوا ، وشبعوا ، وخرجوا ، ثم قال : ادع فلانا ، وأصحابه ، فأكلوا وشبعوا ، وخرجوا ، قال : وفضل تمر ، قال : فقال لي : اقعد . فقعدت فأكل ، وأكلت ، قال ، وفضل تمر فأخذه ، فأدخله في المزود ، فقال : يا أبا هريرة ، إذا أردت شيئا فأدخل [ ص: 251 ] يدك ولا تكفأ فيكفأ عليك . قال : فما كنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل الله عز وجل ، وكان معلقا خلف ظهري ، فوقع زمان عثمان فذهب . ورواه من طريق يزيد بن أبي منصور ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : أصبت بثلاث : بموت النبي صلى الله عليه وسلم ، وكنت صويحبه ، وخويدمه ، وبقتل عثمان ، والمزود ، وما المزود ، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب الناس مخمصة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل من شيء يا أبا هريرة ؟ فقلت : نعم ، شيء من تمر في مزود . قال : فائتني به . فأتيته به ، فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ، ثم قال : ادع لي عشرة . فأكلوا حتى شبعوا ، ثم أدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ، ثم قال : ادع لي عشرة . فما زال يصنع كذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا ، ثم قال : خذ ما جئت به ، وأدخل يدك واقبض ، ولا [ ص: 252 ] تكفه . قال : أبو هريرة : فقبضت على أكثر مما جئت به ، ثم قال أبو هريرة : ألا أحدثكم عما أكلت منه ، أكلت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأطعمت ، وحياة أبي بكر وأطعمت ، وحياة عمر وأطعمت ، وحياة عثمان وأطعمت ، فلما قتل عثمان انتهب بيتي وذهب المزود . وروى الإمام أحمد في مسنده ، ثنا يعلى بن عبيد ، ثنا إسماعيل ، عن قيس ، عن دكين بن سعيد المزني قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأربعمائة نسأله الطعام ، فقال لعمر : اذهب فأطعمهم . فقال : يا رسول الله ، ما بقي إلا [ ص: 253 ] آصع من تمر ما أراه يقيظني . قال : قال : فأطعمهم . قال : سمع وطاعة . قال : فأخرج عمر المفتاح من حجزته ، ففتح الباب ، فإذا شبه الفصيل الرابض من تمر ، فقال لنا : خذوا . فأخذ كل رجل منا ما أحب ، ثم التفت ، وكنت من آخر القوم ، وكأنا لم نرزأ تمرة . ورواه أبو داود ، عن عبد الرحيم بن مطرف ، عن [ ص: 254 ] عيسى بن يونس ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن دكين ، قال : أبو عبد الله المقدسي : وإسناده على شرط الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية