الطريق الثالث : ، وهذا مما اتفق على معرفته عامة الطوائف ، فإن الناس قد يسمعون أخبارا متفرقة بحكايات يشترك مجموعها في أمر واحد ، كما سمعوا أخبارا متفرقة تتضمن شجاعة التواتر المعنوي عنترة ، وخالد بن الوليد ، وأمثالهما ، وتتضمن سخاء حاتم [ ص: 351 ] ومعن بن زائدة ، وأمثالهما ، وتتضمن حلم الأحنف بن قيس ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وأمثالهما ، وتتضمن شعر امرئ القيس والنابغة ولبيد وأمثالهم من المتقدمين ، وشعر الفرزدق وجرير [ ص: 352 ] وعمر بن أبي ربيعة ، وأمثالهم من المولدين ، وشعر أبي نواس والمتنبي وأبي تمام ، وأمثالهم من المحدثين ، بل وسمعوا أقوالا وفتاوي متفرقة تتضمن فقه مالك ، والثوري ، والليث بن سعد ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم من العلماء ، وأخبارا متفرقة تتضمن العدل وحسن السيرة من وإسحاق بن راهويه ، عمر بن [ ص: 353 ] الخطاب ، وغيرهما من ولاة الأمور ، وسمعوا أخبارا متفرقة تتضمن الزهد عن مثل وعمر بن عبد العزيز ، الحسن البصري ، والفضيل بن عياض ، ومالك بن دينار ، وإبراهيم بن أدهم ، وغيرهم من الزهاد ، وسمعوا أخبارا متفرقة تتضمن معرفة أبقراط وجالينوس ونحوهما بالطب ، فيحصل بمجموع الأخبار علم ضروري بأن الشخص موصوف بذلك النعت ، وإن كان كل من الأخبار لو تجرد وحده لم يفد العلم ، وإن كان كل من الحكايات ليست وحدها منقولة بالتواتر .
ومن هذا الباب العلم القطعي بالإيمان والموت ، ونحو ذلك مما يحصل به استقامة موجب العلم القطعي كعلم الناس بأن خديجة ونحوهما من أمهات المؤمنين ، وأن وعائشة فاطمة وزينب من [ ص: 354 ] بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن عائشة بنت أبي بكر ، وأن أبا بكر وعمر تولوا الخلافة بعده ، وأن وعثمان أبا بكر دفنا في حجرته ، وإذا عرف هذا فهذه الأحاديث وأضعاف أضعافها هي أضعاف أضعاف ما ينقل عن الواحد من هؤلاء ، ونقلتها أجل وأكثر وأفضل من نقلة أخبار هؤلاء ، وهي كاملة تتضمن وعمر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كان يجري على يديه من الآيات الخارقة للعادة والعجائب العظيمة ما لا يعرف نظيره عن أحد من الناس ، وعلم المسلمين بهذا أعظم من علم أهل الكتاب بما ينقلونه من آيات أن موسى وعيسى وغيرهما ، فإن نقلة آيات محمد صلى الله عليه وسلم غير القرآن أضعاف أضعاف نقلة التوراة والإنجيل فضلا عن غيرهما من أخبار الأنبياء ، فإن بني إسرائيل كما يحفظ القرآن عامة المسلمين ، وعند التوراة لم تكن جميعها محفوظة لعموم بيت المقدس قل من يحفظها جدا حتى تنازع الناس في تواتر نقلها خراب
وكذلك الإنجيل نقلته أقل بكثير من نقلة آيات محمد [ ص: 355 ] صلى الله عليه وسلم ، وإذا قال النصارى هؤلاء كانوا صالحين ، وكان لهم آيات ، كما يذكرونه من آيات الحواريين فأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وتابعوهم صالحون ، ولهم من الآيات أعظم مما للحواريين وغيرهم من الأمم ، وفيهم من كان يحمل العسكر على الماء ، ومن كان يشرب السموم القاتلة ، ومن يحيي الله الموتى بدعوته ، ومن يكثر الطعام والشراب ، وكتب كرامات الأولياء فيها من ذلك أعظم مما عند أهل الكتاب ، وهم ينقلون أخبار الأنبياء والصالحين من كتب عندهم ، مثل كتاب أخبار الحواريين ، وكتاب سفر الملوك ، ونحو ذلك ، وما يذكرون من حجة في صحة نقلها إلا وحجة المسلمين فيما ينقلونه عن نبيهم وأصحابه والتابعين أظهر وأقوى .