الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الطريق الثالث : التواتر المعنوي ، وهذا مما اتفق على معرفته عامة الطوائف ، فإن الناس قد يسمعون أخبارا متفرقة بحكايات يشترك مجموعها في أمر واحد ، كما سمعوا أخبارا متفرقة تتضمن شجاعة عنترة ، وخالد بن الوليد ، وأمثالهما ، وتتضمن سخاء حاتم [ ص: 351 ] ومعن بن زائدة ، وأمثالهما ، وتتضمن حلم الأحنف بن قيس ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وأمثالهما ، وتتضمن شعر امرئ القيس والنابغة ولبيد وأمثالهم من المتقدمين ، وشعر الفرزدق وجرير [ ص: 352 ] وعمر بن أبي ربيعة ، وأمثالهم من المولدين ، وشعر أبي نواس والمتنبي وأبي تمام ، وأمثالهم من المحدثين ، بل وسمعوا أقوالا وفتاوي متفرقة تتضمن فقه مالك ، والثوري ، والليث بن سعد ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وغيرهم من العلماء ، وأخبارا متفرقة تتضمن العدل وحسن السيرة من عمر بن [ ص: 353 ] الخطاب ، وعمر بن عبد العزيز ، وغيرهما من ولاة الأمور ، وسمعوا أخبارا متفرقة تتضمن الزهد عن مثل الحسن البصري ، والفضيل بن عياض ، ومالك بن دينار ، وإبراهيم بن أدهم ، وغيرهم من الزهاد ، وسمعوا أخبارا متفرقة تتضمن معرفة أبقراط وجالينوس ونحوهما بالطب ، فيحصل بمجموع الأخبار علم ضروري بأن الشخص موصوف بذلك النعت ، وإن كان كل من الأخبار لو تجرد وحده لم يفد العلم ، وإن كان كل من الحكايات ليست وحدها منقولة بالتواتر .

ومن هذا الباب العلم القطعي بالإيمان والموت ، ونحو ذلك مما يحصل به استقامة موجب العلم القطعي كعلم الناس بأن خديجة وعائشة ونحوهما من أمهات المؤمنين ، وأن فاطمة وزينب من [ ص: 354 ] بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن عائشة بنت أبي بكر ، وأن أبا بكر وعمر وعثمان تولوا الخلافة بعده ، وأن أبا بكر وعمر دفنا في حجرته ، وإذا عرف هذا فهذه الأحاديث وأضعاف أضعافها هي أضعاف أضعاف ما ينقل عن الواحد من هؤلاء ، ونقلتها أجل وأكثر وأفضل من نقلة أخبار هؤلاء ، وهي كاملة تتضمن أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كان يجري على يديه من الآيات الخارقة للعادة والعجائب العظيمة ما لا يعرف نظيره عن أحد من الناس ، وعلم المسلمين بهذا أعظم من علم أهل الكتاب بما ينقلونه من آيات موسى وعيسى وغيرهما ، فإن نقلة آيات محمد صلى الله عليه وسلم غير القرآن أضعاف أضعاف نقلة التوراة والإنجيل فضلا عن غيرهما من أخبار الأنبياء ، فإن التوراة لم تكن جميعها محفوظة لعموم بني إسرائيل كما يحفظ القرآن عامة المسلمين ، وعند خراب بيت المقدس قل من يحفظها جدا حتى تنازع الناس في تواتر نقلها

وكذلك الإنجيل نقلته أقل بكثير من نقلة آيات محمد [ ص: 355 ] صلى الله عليه وسلم ، وإذا قال النصارى هؤلاء كانوا صالحين ، وكان لهم آيات ، كما يذكرونه من آيات الحواريين فأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وتابعوهم صالحون ، ولهم من الآيات أعظم مما للحواريين وغيرهم من الأمم ، وفيهم من كان يحمل العسكر على الماء ، ومن كان يشرب السموم القاتلة ، ومن يحيي الله الموتى بدعوته ، ومن يكثر الطعام والشراب ، وكتب كرامات الأولياء فيها من ذلك أعظم مما عند أهل الكتاب ، وهم ينقلون أخبار الأنبياء والصالحين من كتب عندهم ، مثل كتاب أخبار الحواريين ، وكتاب سفر الملوك ، ونحو ذلك ، وما يذكرون من حجة في صحة نقلها إلا وحجة المسلمين فيما ينقلونه عن نبيهم وأصحابه والتابعين أظهر وأقوى .

التالي السابق


الخدمات العلمية