الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الطريق الخامس : أن ما من صنف من أصناف العلماء إلا وقد تواتر عندهم من الآيات ما فيه كفاية ، فكتب التفسير مشحونة بذكر الآيات متواتر ذلك فيها ، وكتب الحديث مشحونة بذكر الآيات متواتر ذلك فيها ، وكتب السير والمغازي والتواريخ مشحونة بذكر الآيات متواتر ذلك فيها ، وكتب الفقه مشحونة بذكر الآيات متواتر ذلك فيها ، وإن لم يكن هذا مقصودا منها ، وإنما المقصود الأحكام لكنهم في ضمن ما يروونه من الأحكام يروون فيها من الآيات ما هو متواتر عندهم ، وكتب الأصول والكلام مشحونة بذكر الآيات متواتر ذلك فيها ، ونقل كل طائفة من هذه الطوائف يفيد العلم اليقيني ، فكيف بما ينقله كل طائفة من هذه الطوائف ، وهذه الطريق وغيرها مثل طريق الإقرار والتصديق ، وطريق التواتر المعنوي ، وطريق تصديق أهل العلم بالحديث بها ، وغير ذلك ، يستدل بها تارة على تواتر الجنس العام للآيات الخارقة للعادة ، وهذا أقل ما يكون ، ويستدل بها على تواتر جنس جنس منها ، كتواتر تكثير الطعام ، وتواتر تكثير الطهور [ ص: 360 ] والشراب ، وعلى تواتر نوع نوع منها ، كتواتر نبع الماء من بين أصابعه ، وتواتر إشباع الخلق العظيم من الطعام القليل ، وتواتر شخص شخص منها ، كتواتر حنين الجذع إليه ، وأمثال ذلك ، وكلما أمعن الإنسان في ذلك النظر ، واعتبر ذلك بأمثاله ، واعتبر وأعطاه حقه من النظر والاستدلال ازداد بذلك علما ويقينا ، وتبين له أن العلم بذلك أظهر من جميع ما يطلب من العلم بالأخبار المتواترة ، فليس في الدنيا علم مطلوب بالأخبار المتواترة إلا والعلم بآيات الرسول وشرائع دينه أظهر من ذلك ، وما من حال أحد من الأنبياء والملوك والعلماء والمشايخ المتقدمين وأقواله وأفعاله وسيرته إلا والعلم بأحوال محمد صلى الله عليه وسلم أظهر من العلم به ، وما من علم يعلم بالتواتر مما هو موجود الآن كالعلم بالبلاد البعيدة كعلم أهل الشام بالعراق وخراسان والهند والصين والأندلس ، وعلم أهل المغرب بالشام والعراق وخراسان والهند ، وعلم أهل خراسان بالشام والعراق ومصر ، وعلم أهل الهند بالعراق والشام ، وأمثال ذلك من علم أهل البلاد بعضهم بحال بعض إلا وعلم الإنسان بحال المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها ، وما هم عليه من الدين ، وما ينقلونه عن نبيهم من آياته وشرائعه أظهر من علمه بهذا كله .

وهذا مما يبين أنه ليس في الوجود أمر يعلم بالنقول المتواترة إلا وآيات الرسول وشرائعه تعلم بالنقول المتواترة أعظم مما يعلم ذلك [ ص: 361 ] الأمر تحقيقا لقوله تعالى :

هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا

وظهوره على الدين كله بالعلم والحجة والبيان إنما هو بما يظهره من آياته وبراهينه ، وذلك إنما يتم بالعلم بما ينقل عن محمد من آياته التي هي الأدلة ، وشرائعه التي هي المدلول المقصود بالأدلة ، فهذا قد أظهره الله علما وحجة وبيانا على كل دين ، كما أظهره قوة ونصرا وتأييدا على كل دين ، والحمد لله رب العالمين .

كما أنه ما من دليل يستدل به على مدلول إلا والأدلة على آيات الرب أكبر وأكثر .

التالي السابق


الخدمات العلمية