الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 387 ] ومن آيات الأنبياء إهلاك الله لمكذبيهم ، ونصره للمؤمنين بهم ، فهذا من أعلام نبوتهم ، ودلائل صدقهم ، كإغراق الله قوم نوح لما كذبوه ، وكإهلاكه قوم عاد بالريح الصرصر ، وإهلاك قوم صالح بالصيحة ، وإهلاك قوم شعيب بالظلة ، وإهلاك قوم لوط بإقلاب مداينهم ، ورجمهم بالحجارة ، وكإهلاك قوم فرعون بالغرق ، وقد ذكر الله القصص في القرآن في غير موضع ، وبين أنها من آيات الأنبياء الدالة على صدقهم كما يذكره في سورة الشعراء لما ذكر قصة موسى قال :

إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين [ ص: 388 ] ثم ذكر قصة إبراهيم ، وقال في آخرها :

إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين

وكذلك ذكر مثل ذلك في قصة نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، ومن ذلك ما جعله من اللعنة الشائعة لمن كذبهم ، ومن لسان الصدق والثناء والدعاء لهم ولمن آمن بهم ، كما قال تعالى في قصة نوح :

وتركنا عليه في الآخرين ( 78 ) سلام على نوح في العالمين

، وكذلك في قصة إبراهيم :

وتركنا عليه في الآخرين ( 108 ) سلام على إبراهيم

أي تركنا هذا القول الذي يقوله المتأخرون ، وكذلك في قصة موسى ، وهارون :

وتركنا عليه في الآخرين سلام على موسى وهارون

و سلام على إل ياسين

[ ص: 389 ] وكذلك في قصة إبراهيم قال تعالى :

فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا ( 49 ) ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا

وقال في قصة فرعون :

واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ( 39 ) فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ( 40 ) وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ( 41 ) وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين

ولهذا قال تعالى :

لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب

وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم :

فاصبر إن العاقبة للمتقين

[ ص: 390 ] فأخبر أن العاقبة للمتقين ، ثم إنه ما وقع لهؤلاء وهؤلاء يعلم بالسمع والنقل تارة ، ويعلم بالعقل والاعتبار بآثارهم تارة ، كما قال عن أهل النار :

لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير كما ذكر الله الطريقين في قوله :

ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ( 40 ) الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ( 41 )

ثم قال :

وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ( 42 ) وقوم إبراهيم وقوم لوط ( 43 ) وأصحاب مدين وكذب موسى فأمليت للكافرين ثم أخذتهم فكيف كان نكير ( 44 ) فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ( 45 )

ثم قال :

أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور

وقال تعالى : [ ص: 391 ] وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص ( 36 ) إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد

وقال تعالى :

أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( 9 ) ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون

وقال تعالى :

أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ( 21 ) ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب

[ ص: 392 ] وقال تعالى :

أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ( 82 ) فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ( 83 ) فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ( 84 ) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون

وقال لما قص قصص نوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، ولوط ، وشعيب ، وموسى في سورة هود :

ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد ( 100 ) وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب ( 101 ) وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد

ولما ذكر قصة لوط في سورة الصافات قال :

وإنكم لتمرون عليهم مصبحين ( 137 ) وبالليل أفلا تعقلون [ ص: 393 ] وفي سورة الحجر :

إن في ذلك لآيات للمتوسمين ( 75 ) وإنها لبسبيل مقيم ( 76 ) إن في ذلك لآية للمؤمنين ( 77 ) وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين ( 78 ) فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين ( 79 )

والإمام المبين هو الطريق المستبين الواضح . بين سبحانه أن هذه وهذه كلاهما بسبيل للناس يرونها بأبصارهم فيعلمون بذلك ما فعل الله بمن كذب رسله وعصاهم ، ودلالة نصر الله المؤمنين ، وانتقامه من الكافرين على صدق الأنبياء من جنس دلالة الآيات والمعجزات على صدقهم ، فكون هذا فعل لأجل هذا ، وكون ذاك سبب هذا هو مما يعلم بالإضرار عند تصور الأمر على ما هو عليه ، كانقلاب العصا حية عقب سؤال فرعون الآية ، وانشقاق القمر عند سؤال مشركي مكة آية ، وأمثال ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية