الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
والسؤال المشهور الذي يورد في هذا الموضع على قول من [ ص: 394 ] ينفي التعليل في أفعال الله ، ويجوز على الله كل فعل ، حيث قيل لهم : على أصلكم : لا يفعل الله شيئا لأجل شيء ، وحينئذ فلم يأت بالآيات الخارقة للعادة لأجل تصديق الرسول ، ولا عاقب هؤلاء لتكذيبهم له ، ولا أنجى هؤلاء ونصرهم لإيمانهم به ، إذا كان لا يفعل شيئا لشيء عندكم ، وقالوا لهم أيضا : إذا جوزتم على الرب كل فعل جاز أن يظهر الخوارق على يد الكاذب ، ويقال لهم أيضا : أنتم لا تعلمون ما يفعل الرب إلا بعادة أو خبر الأنبياء ، فقبل العلم بصدق النبي لا يعلم شيء بخبره ، والعادة إنما تكون فيما تكرر كطلوع الشمس ، ونزول المطر ، ونحو ذلك ، والإتيان بالخارق للتصديق ليس معتادا .

فيقال : هذا السؤال إن كان متوجها فإنما يقدح في قول هؤلاء الذين يقولون : يفعل شيئا لأجل شيء ، ويجوزون عليه فعل كل شيء ممكن ، لا ينزهونه عن فعل سيئ الأفعال ، وليس عندهم قبيحا وظلما إلا ما كان ممتنعا مثل جعل الشيء موجودا معدوما ، وجعل

[ ص: 395 ] الجسم في مكانين ، ولهذا ذكر ذلك مخالفوهم حجة في إبطال مذهبهم ، وقالوا : قولهم يقدح في العلوم الضرورية ، ويسد باب العلم بصدق الرسل . قالوا : إذا جوزتم أن يفعل كل شيء فجوزوا أن يكون الجبال انقلبت ياقوتا ، والبخار لبنا ، ونحو ذلك مما يعلم بالضرورة بطلانه ، وجوزوا أن يخلق المعجزات على يدي الكذابين ، وليس المقصود هنا الجواب عن هؤلاء ، ولا بيان فساد قولهم ، ولكن المقصود أن هذا السؤال إن كان متوجها فإنما يقدح في قوله هؤلاء لا يقدح فيما علم بالاضطرار من دلالات الآيات المذكورة على حال هؤلاء وهؤلاء ، وأن الله سبحانه وتعالى نجى موسى ونصره لصدقه ونبوته وإيمانه ، وأهلك فرعون لتكذيبه ، وكذلك نصر محمدا ومن اتبعه على من كذبه من قومه ، ونصر نوحا على من كفر به ، ونصر المسيح على من كذبه ، ونصر سائر الرسل وأتباعهم المؤمنين كما قال تعالى :

إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ( 51 )

[ ص: 396 ] وقال :

سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ( 171 ) إنهم لهم المنصورون ( 172 ) وإن جندنا لهم الغالبون

كما لا يقدح ما علم بالاضطرار من أن الله ينزل المطر في إبانه لسقي المزارع ، وأنه يسوق النيل لسقي أرض مصر ، وأنه جعل أعضاء الإنسان لما فيها من المنافع كالبطش باليدين ، والمشي بالرجلين ، والنظر بالعينين ، والسمع بالأذنين ، والنطق باللسان ، وجعل ماء العين ملحا لكونها شحمة ، والملوحة تمنعها أن تذوب ، وماء الأذن مرا ليمنع الذباب من الولوج في الدماغ ، وماء الفم عذبا ليطيب الطعام والشراب ، وجعل ماء البحر مالحا لبقاء الأنام فإنه لو كان عذبا فيموت فيه من الحيوان العظيم فيفسد الريح فيموت الآدميون والبهائم بهذه الريح ، إلى ما لا يحصى من حكمة الله المشهودة في خلقه .

ونفاة التعليل يقولون : نحن نعلم أن هذا مقارن لهذا بحكم العادة التي أجراها الله ، وإن لم يخلق شيئا لشيء ، وكذلك من نفى [ ص: 397 ] الأسباب مع نفي التعليل أيضا يقولون : نحن نعلم أنه يخلق هذا عند هذا لا به ، فاقتران المعجز بالتصديق من هذا الباب عندهم ، لكن يبقى عليهم أن هذا لا يعلم إلا بالعادة ، ولا عادة . فلا جرم رجعوا إلى فطرته من أن هذا أمر معلوم بالاضطرار ، وإن كان مناقضا لأصلهم الفاسد ، وضربوا لذلك مثلا بالملك الذي أظهر ما يناقض عادته لتصديق رسوله .

لكن يقال لهم : الملك يفعل فعلا لمقصود ، فأمكن أن يقال : إنه قام ليصدق رسوله ، وأنتم عندكم أن الله لا يفعل شيئا لشيء ، فلم يبق المثل مطابقا ، ولهذا صاروا مضطربين في هذا الموضع ، تارة يقولون : المعجزات دليلا على الصدق لئلا يفضي إلى تعجيز الرب فإنه لا دليل على الصدق إلا خلق العجز فلو لم يكن دليلا لزم أن يكون الرب غير قادر على تصديق الرسول الصادق ، وهذه طريقة الأشعري في أكثر كتبه ، وأحد قوليه ، وسلكها القاضي أبو بكر ، وأبو إسحاق [ ص: 398 ] الإسفرائيني ، وأبو بكر بن فورك ، وأبو محمد بن اللبان ، وأبو علي بن شاذان ، والقاضي أبو يعلى ، وغيرهم

والثاني قالوا : نحن نعلم بالاضطرار أنه فعل هذا لأجل التصديق كالمثل المضروب ، وهذا هو القول الآخر ، وهي طريقة أبي الحسن الأشعري في أماليه ، وهي طريقة أبي المعالي ، وأتباعه [ ص: 399 ] كالرازي ، وغيره ، وتنازعوا : هل يمكن خلق ذلك على يد كذاب ؟ فقيل : لا يمكن لأنه لو أمكن لجاز وقوعه ، وقيل : بل هو مقدور لكن نعلم أنه لا يفعله كما نعلم أنه لا يفعل كثيرا من الخوارق المقدورات كقلب الجبل ياقوتا ، والبحر زيتا .

قالوا : فنحن نعلم بالضرورة أنه لا يفعلها فلا يلزم من كونها مقدورة ممكنة أن لا يعلم انتفاء وقوعها ، بل قد يعلم عدم وقوعها بالاضطرار ، وإن كنا نقول إنها ممكنة مقدورة ، وظهور المعجزات على يد الكذاب في دعوى النبوة من هذا الباب عندنا .

وقالوا : المعجز علم على صدق الأنبياء فيمتنع أن يكون الدليل غير مستلزم للمدلول عليه ، وهذا القول حق لكن منازعوهم يقولون : هو يستلزم نقيض ما نفوه من كون الله يخلق شيئا لشيء ، ويخلق شيئا بشيء ، وما قالوا من كونه يجوز عليه فعل كل شيء ، وكان ما ذكروه من الحق دليلا على أن الخلق يعلمون ما يعلمونه من حكمة الرب ومراده بما يخلقه لأمر آخر ، وأنه سبحانه منزه عن أن يفعل أشياء لا يجوز منه فعل كل شيء ، وهم يقولون هنا : قد يكون الشيء ممكنا جائزا مع العلم بأنه غير واقع كانقلاب الجبال ياقوتا ، [ ص: 400 ] والبحر زئبقا ، وموت أهل البلد كلهم في لحظة ، ومصير الأطفال علماء حكماء في لحظة واحدة .

وعلى هذا الجواب يعتمدون كثيرا ، كما يذكره القاضي أبو بكر ، والقاضي أبو يعلى ، وأبو المعالي ، والرازي ، وغيرهم ، ثم إنهم يقولون في العقل أنه علوم ضرورية كالعلم بوجوب الواجبات ، وامتناع الممتنعات ، وجواز الجائزات ، فالممتنعات كانقلاب دجلة دما ، وأمثال ذلك في الأمور العادية ، فيجعلون العادات واجبة تارة ، وممتنعة أخرى ، مع أنه لا سبب يوجب لا هذا ولا هذا .

ويقولون : نعلم أن هذا جائز ممكن لا يتوقف على سبب ، ولا له مانع كالآخر ، ثم نعلم أن هذا واقع ، وهذا غير واقع لمجرد العادة ، مع أن خرق العادة ليس له عندهم ضابط ، بل كل ما يجري من العادات معجزات للأنبياء ، فيجوز أن يكون عندهم للولي وللساحر ، والفرق بينهما عندهم التحدي أو عدم المعارضة ، وكذلك المتفلسفة الملاحدة الذين يقولون : أسباب الآيات القوى الفلكية ، والقوى النفسانية والطبيعية ، وهذه كلها مشتركة عندهم بين الأنبياء والسحرة لكن النبي يقصد الخير والعدل ، والساحر يقصد الشر والظلم .

[ ص: 401 ] وكذلك أولئك الذين وافقوا جهما على أصله في القدر ، لا فرق عندهم بين كرامات الأولياء وخوارق السحرة ، لكن الولي مطيع لله ، والساحر غير مطيع لله ، هذا عمدة هؤلاء النفاة للحكمة والأسباب في أفعال الله تعالى .

وجمهور الناس يخالفونهم ، ويقولون : هذا القول فاسد بل نفس تصوره كاف في العلم بفساده ، فإنه إذا تماثل هذا وهذا من كل وجه فمن أين يعلم وجود هذا أو وجوبه ، وعدم هذا أو امتناعه ، وإذا قيل : مستندي العادة . قيل له : منازعوك يقولون : هذا باطل من وجهين :

أحدهما : أنك أنت تجوز انتقاض العادة ، وليس لانتقاضها عندك سبب تختص به ، ولا حكمة انتقضت لأجلها ، بل لا فرق عندك بين انتقاضها للأنبياء ، والأولياء ، والسحرة ، وغير ذلك ، ولهذا قلتم : ليس بين معجزات الأنبياء وبين كرامات الأولياء والسحرة فرق إلا مجرد اقتران دعوى النبوة والتحدي بالمعارضة مع عدم المعارضة ، مع أن التحدي بالمعارضة قد يقع من المشرك بل ومن الساحر ، فلم يثبتوا فرقا يعود إلى جنس الخوارق المفعولة ، ولا إلى قصد الفاعل والخالق ، ولا قدرته ، ولا حكمته .

والثاني : أن العادة لا بد لها من أسباب وموانع يعلم بها اطرادها تارة ، وانتفاضها أخرى ، وبهذا يظهر الجواب عما قالوه من أن انقلاب الجبل ذهبا ، والبحر زئبقا ، والأناسي قرودا ، ونحو ذلك ممكن معلوم [ ص: 402 ] الجواز مع العلم بأنه لم يقع ، فإنهم يقال لهم : جمهور الناس لا يعلمون لكم أن هذا ممكن إلا مع لوازمه ، وانتفاء أضداده ، وحينئذ يقال : لم قلتم أن هذا لا يستلزم أسبابا تكون قبله ؟ وموانع ترتفع كسائر ما يحدثه الله من الأمور الخارقة للعادة ، فإنه لا يحدث شيئا إلا بإحداث أسباب ودفع موانع ، مثال ذلك غرق قوم نوح لم يكن ماء وجد بلا سبب ، بل أنزل الله ماء السماء ، وأنبع ماء الأرض كما قال تعالى :

كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر ( 9 ) فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ( 10 ) ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ( 11 ) وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ( 12 ) وحملناه على ذات ألواح ودسر

وكذلك عاد لما أهلكهم أرسل الريح الصرصر سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، كما قال تعالى :

[ ص: 403 ] فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ( 7 ) فهل ترى لهم من باقية

وكذلك ثمود قال لهم صالح :

ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ( 64 ) فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ( 65 ) فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز ( 66 ) وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ( 67 ) كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود

وكل ما وجد في العالم من خوارق العادات : آيات الأنبياء ، وغيرها لم يأت منها شيء إلا بأسباب تقدمته ، كآيات موسى من مثل مصير العصا حية ، كانت بعد أن ألقاها إما عند أمر الله بذلك لما ناداه من الشجرة ، ورأى النار الخارقة للعادة ، وإما عند مطالبة فرعون له [ ص: 404 ] بالآية ، وإما عند معارضة السحرة لتبتلع حبالهم ، وعصيهم ، وكذلك سائر آياته ، حتى إغراق فرعون كان بعد مسير الجيش ، وضربه البحر بالعصا ، وكذلك تفجر الماء من الحجر كان بعد أن ضرب الحجر بعصاه ، واستسقاء قومه إياه ، وهم في برية لا ماء عندهم .

وكذلك آيات نبينا صلى الله عليه وسلم ، مثل تكثير الماء ، كان بوضع يده فيه حتى نبع الماء من بين الأصابع ، أي تفجر الماء من بين الأصابع لم يخرج من نفس الأصابع ، وكذلك البئر كان ماؤها يكثر إما بإلقائه سهما من كنانته فيها ، وإما بصبه الماء الذي بصق فيه فيها ، وكذلك المسيح كان يأخذ من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، إلى أمثال ذلك .

فأما جبل ينقلب ياقوتا بلا أسباب تقدمت ذلك فهذا لا كان ، ولا يكون ، وكذلك نهر يطرد يصبح لبنا بلا أسباب تقتضي ذلك يخلقها الله فهذا لا كان ، ولا يكون ، ومن قال : إن الشيء ممكن فهذا يعنى به شيئان : يعنى به الإمكان الذهني ، والإمكان الخارجي .

فالإمكان الذهني هو عدم العلم بالامتناع ، وهذا ليس فيه إلا عدم العلم بالامتناع ، وعدم العلم بالامتناع غير العلم بالإمكان ، فكل من لم يعلم امتناع شيء كان عنده ممكنا بهذا الاعتبار ، لكن هذا ليس بعلم بإمكانه ، ومن استدل على إمكان الشيء بأنه لو قدر لم يلزم منه محال من غير بيان انتفاء لزوم كل محال ، كما يفعله طائفة من أهل الكلام كالآمدي ونحوه لم يكن فيما ذكره إلا مجرد الدعوى

[ ص: 405 ] وأما الثاني : وهو العلم بإمكان الشيء في الخارج ، فهذا يعلم بأن يعلم وجوده ، أو وجود نظيره ، أو وجود ما هو أقرب إلى الامتناع منه ، فإذا كان حمل البعير للقنطار ممكنا كان حمله لتسعين رطلا أولى بالإمكان ، وبهذه الطريقة يبين الله في القرآن إمكان ما يريد بيان إمكانه كإحياء الموتى والمعاد ، فإنه يبين ذلك تارة ببيان وقوعه ، كما أخبر أن قوم موسى قالوا :

لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة . . .

فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون ، ثم بعثهم الله من بعد موتهم لعلهم يشكرون .

وكما أخبر عن المقتول الذي ضربوه بالبقرة فأحياه الله كما قال :

[ ص: 406 ] وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون ( 72 ) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون .

وكما أخبر عن الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم ، وكما أخبر عن الذي :

. . . مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير

وأخبر سبحانه بنظير ذلك في قصة إبراهيم حيث قال :

. . . رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم .

واستدل سبحانه بما هو أعظم من ذلك وهو النشأة الأولى ، وخلق السماوات والأرض كقوله :

[ ص: 407 ] أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم

وقال :

إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم . . .

إلى قوله :

وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج

فاستدل سبحانه على إمكان الإحياء بابتداء خلق الحيوان ، وبخلق النبات ، وذكر ذلك في القرآن في غير موضع ، وبسط هذا له موضع آخر .

والمقصود أن قول القائل : هذا ممكن لا يحتاج إلى دليل لا يكفي في العلم بإمكانه عدم العلم بامتناعه ، والله سبحانه على كل شيء قدير ، والممتنع ليس بشيء باتفاق العقلاء ، وكل ما خلقه الله فلا بد أن يخلق لوازمه ، ويمتنع أضداده ، وإلا فيمتنع وجود الملزوم [ ص: 408 ] دون اللازم ، ويمتنع اجتماع الضدين ، وليس للعباد اطلاع على لوازم كل مخلوق ولا أضداده المنافية لوجوده .

فالجزم بإمكان وجوده بدون العلم بلوازمه وإمكانها وأضدادها وانتفائها جهل ، والله سبحانه قادر على تغيير ما شاءه من العالم ، وهو يشق السماوات ، ويسير الجبال ، ويبسها بسا فيجعلها هباء منبثا ، إلى أمثال ذلك مما أخبر الله به كما يخلق سائر ما يخلقه بما ييسره من الأسباب ، وهذا مبسوط في موضع آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية