الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 327 ] [ ص: 328 ] ولما فتح خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعثمان العراق وخراسان ضربوا الجزية على المجوس ، كما ضربوها على النصارى بعد أن دعوهم إلى الإسلام ، كما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الجزية على اليهود والنصارى والمجوس بعد أن دعاهم إلى الله عز وجل ، فإنه صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي إلى [ ص: 329 ] المنذر بن ساوى العبدي صاحب هجر - وهي قرية بالبحرين - بكتابه صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام ، قال العلاء : فلما دخلت عليه قلت : يا منذر ، إنك عظيم العقل في الدنيا ، فلا تصغرن عن الآخرة ، إن هذه المجوسية شر دين ، ليس فيها تكرم العرب ، ولا علم أهل الكتاب ، ينكحون ما يستحى من نكاحه ، ويأكلون ما يتكرم عن أكله ، ويعبدون في الدنيا نارا تأكلهم يوم القيامة ، ولست بعديم عقل ولا رأي ، فانظر هل ينبغي لمن لا يكذب أن تصدقه ، ولمن لا يخون أن تأمنه ، ولمن لا يخلف أن تتثق به ، فإن كان هذا هكذا فهذا هو [ ص: 330 ] النبي صلى الله عليه وسلم الأمي الذي - والله - لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه ، أو ما نهى عنه أمر به ، أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه ، إن ذلك منه على أمنية أهل العقل وفكر أهل البصر .

فقال المنذر : قد نظرت في هذا الذي في يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة ، ونظرت في دينكم فوجدته للآخرة والدنيا ، فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الممات ، ولقد عجبت أمس ممن يقبله ، وعجبت اليوم ممن يرده ، وإن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله ، وسأنظر ، ثم أسلم المنذر ، وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام والتصديق .

وقال عمرو بن عوف : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة إلى البحرين ، فأتى بجزيتها ، وكان رسول الله [ ص: 331 ] صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين ، وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين ، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة ، فوافوا صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما صلى بهم الفجر انصرف ، فتعرضوا له فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ، وقال : أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء قالوا : أجل يا رسول الله . قال : أبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله لا الفقر أخشى عليكم ، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم . أخرجاه في الصحيحين .

وأخرج البخاري ، عن بجالة بن عبدة ، أنه قال : أتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة : فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس . ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس ، حتى شهد عبد [ ص: 332 ] الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر .

وقال ابن شهاب : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من مجوس هجر ، وأخذ عمر بن الخطاب الجزية من مجوس فارس ، وأخذها عثمان بن عفان من البربر .

قال ابن شهاب : أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران فيما بلغنا وكانوا نصارى ، وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أهل البحرين وكانوا مجوسا ، ثم أدى أهل ( أيلة ) [ ص: 333 ] وأهل ( أذرح ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية في غزوة تبوك ، وبعث خالد بن الوليد إلى أهل دومة الجندل ، فأسروا رئيسهم أكيدر ، فبايعوه على الجزية .

[ ص: 334 ] قال أبو عبيد : الجزية مأخوذة من أهل الكتاب بالتنزيل ، ومن المجوس والبربر وغيرهم بالسنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية