الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا بد من وقوعها في بعض هذه الأمة ، وإن كان قد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال في أمته أمة قائمة على الحق ، لا يضرهم من خالفهم ، ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة ، وأن أمته لا تجتمع على ضلالة ، ولا يغلبها من سواها من الأمم ، بل لا تزال منصورة متبعة لنبيها المهدي المنصور .

لكن لا بد أن يكون فيها من يتتبع سنن اليهود والنصارى والروم والمجوس ، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لتتبعن سنن [ ص: 93 ] من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتموه ، قالوا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ، قال : فمن ؟ .

وفي الصحيحين أيضا ، عن أبي سعيد رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لتأخذ أمتي مأخذ الأمم قبلها شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، قالوا : يا رسول الله ، فارس والروم ، قال : فمن الناس إلا أولئك .

[ ص: 94 ] وفي المظهرين للإسلام منافقون ، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار تحت اليهود والنصارى ; فلهذا كان ما ذم الله به اليهود والنصارى قد يوجد في المنافقين المنتسبين للإسلام الذين يظهرون الإيمان بجميع ما جاء به الرسول ، ويبطنون خلاف ذلك كالملاحدة الباطنية ، فضلا عمن يظهر الإلحاد منهم .

[ ص: 95 ] ويوجد بعض ذلك في أهل البدع ، ممن هو مقر بعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، باطنا وظاهرا ، لكن اشتبه عليه بعض ما اشتبه على هؤلاء ، فاتبع المتشابه ، وترك المحكم كالخوارج وغيرهم من أهل الأهواء .

وللنصارى في صفات الله سبحانه وتعالى ، واتحاده بالمخلوقات ضلال شاركهم فيه كثير من هؤلاء ، بل من الملاحدة من هو أعظم ضلالا من النصارى .

والحلول والاتحاد نوعان : عام ، وخاص .

فالعام : كالذين يقولون إن الله بذاته حال في كل مكان ، أو إن وجوده عين وجود المخلوقات .

والخاص : كالذين يقولون بالحلول والاتحاد في بعض أهل البيت ، كعلي ، وغيره ، مثل النصيرية ، وأمثالهم ، أو بعض من ينتسب [ ص: 96 ] إلى أهل البيت كالحاكم ، وغيره ، مثل الدرزية وأمثالهم ، [ ص: 97 ] أو بعض من يعتقد فيه المشيخة ، كالحلاجية ، وأمثالهم .

فمن قال : إن الله سبحانه وتعالى حل ، أو اتحد بأحد من الصحابة ، أو القرابة ، أو المشايخ ، فهو من هذا الوجه أكفر من النصارى الذين قالوا بالاتحاد والحلول في المسيح ، فإن المسيح عليه السلام أفضل من هؤلاء كلهم .

[ ص: 98 ] ومن قال بالحلول والاتحاد العام ، فضلاله أعم من ضلال النصارى ، وكذلك من قال بقدم أرواح بني آدم ، أو أعمالهم ، أو كلامهم ، أو أصواتهم ، أو مداد مصاحفهم ، أو نحو ذلك ، ففي قوله شعبة من قول النصارى .

فبمعرفة حقيقة دين النصارى وبطلانه يعرف به بطلان ما يشبه أقوالهم من أقوال أهل الإلحاد والبدع .

فإذا جاء نور الإيمان والقرآن أزهق الله به ما خالفه ، كما قال تعالى : وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا .

وأبان الله سبحانه وتعالى من فضائل الحق ومحاسنه ما كان به محقوقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية