أنواع أخرى من العبادات الظاهرة والباطنة .
( وغير ذلك ) ; أي من العبادات الظاهرة والباطنة
nindex.php?page=treesubj&link=33142_30476والتسبيح والتحميد والتمجيد والتهليل والتكبير وتلاوة القرآن وتدبره وتعلمه وتعليمه وسائر الأذكار المشروعة ومحبة الله ورسوله والمؤمنين ، والحب في الله والبغض فيه والموالاة والمعاداة لأجله ، وغير ذلك من العبادات التي لا تخرج عن تعريفنا السابق بأن
nindex.php?page=treesubj&link=28345العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة ، وأن مناطها الذي لا قوام لها إلا به هو كمال الحب وغايته مع غاية الذل ، ولا تسمى عبادة إلا مع ذلك كله . فالمحبة وحدها التي لم يكن معها خوف ولا تذلل ، كمحبة المطعم والمشرب والأهل والمال والولد وغير ذلك ليست بعبادة . وكذلك الخوف بدون محبة للمخوف منه ، كالخوف من عدو أو غرق أو حرق ونحو ذلك لم يكن عبادة ، فإذا اجتمعا في العمل كان عبادة : إن كانت لله فهو التوحيد الذي هو أشرف المطالب ، وإن كانت لغيره فالشرك الأكبر المخلد صاحبه في النار والعياذ بالله . ولذا قلنا ( وصرف بعضها ) أي شيء منها قل أو كثر ( لغير الله ) كائنا من كان من ملك أو نبي أو ولي أو قبر أو جني أو شجر أو حجر أو غيره ، كل ذلك ( شرك ) أكبر ، ( وذاك ) إشارة إلى الشرك هو ( أقبح المناهي ) على الإطلاق .
قال الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=5ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ) ( الأحقاف : 5 ) الآيات ; أي لا أحد أضل منه . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=117ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ) ( المؤمنون : 117 ) .
[ ص: 458 ] وقال الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم ) ( لقمان : 13 )
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29437فالشرك أعظم الظلم لأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، ولا أعظم ظلما من شكاية العبد ربه الذي هو أرحم الراحمين فيما أصابه من ضر أو فاته من خير إلى من لا يرحمه ولا يسمعه ولا يبصره ولا يعلمه ولا يملك لنفسه ولا لداعيه من ضر ولا نفع ولا موت ولا حياة ولا نشور ، ولا يغني عنه مثقال ذرة ، وعدوله عمن بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه ، ويفزع في قضاء حوائجه إلى من لا قدرة له على شيء البتة (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=13والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=14إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) ( فاطر : 13 - 14 ) وصرفه عبادة خالقه - الذي خلقه لعبادته وتوحيده ورباه بنعمه الظاهرة والباطنة وحفظه وكلأه بالليل والنهار وحماه من جميع المخاوف والأخطار - لمخلوق مثله خلقه الله بقدرته ولم يكن من قبل شيئا ، بل هو مسخر مدبر مربوب متصرف فيه الله تعالى بما شاء من أنواع التصرف ، لا يبدي حراكا ولا ينفك من قبضة الله عز وجل ، بل هو خلقه وملكه مخلوق لعبادته فيرفعه من درجة العبودية والتأله إلى جعله مألوها معبودا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء ) ( الروم : 28 ) الآية .
هذا والله أظلم الظلم وأقبح الجهل وأكبر الكبائر ، ولذا لم تدع الرسل إلى شيء قبل التوحيد ، ولم تنه عن شيء قبل التنديد ، ولم يتوعد الله على ذنب أكبر مما جاء على الشرك من الوعيد الشديد . وفي الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024516قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " . وسنذكر إن شاء الله من الآيات والأحاديث قريبا ما تقر به أعين الموحدين
[ ص: 459 ] وتدحض شبهة المعاندين ، ويدمغ باطل الملحدين ، والله المستعان وبه التوفيق .
أَنْوَاعٌ أُخْرَى مِنَ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ .
( وَغَيْرُ ذَلِكَ ) ; أَيْ مِنَ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=33142_30476وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ وَتَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَالْحُبِّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضِ فِيهِ وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ لِأَجْلِهِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ عَنْ تَعْرِيفِنَا السَّابِقِ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28345الْعِبَادَةَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ ، وَأَنَّ مَنَاطَهَا الَّذِي لَا قِوَامَ لَهَا إِلَّا بِهِ هُوَ كَمَالُ الْحُبِّ وَغَايَتُهُ مَعَ غَايَةِ الذُّلِّ ، وَلَا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلَّا مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ . فَالْمَحَبَّةُ وَحْدَهَا الَّتِي لَمْ يَكُنْ مَعَهَا خَوْفٌ وَلَا تَذَلُّلٌ ، كَمَحَبَّةِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ . وَكَذَلِكَ الْخَوْفُ بِدُونِ مَحَبَّةٍ لِلْمَخُوفِ مِنْهُ ، كَالْخَوْفِ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فِي الْعَمَلِ كَانَ عِبَادَةً : إِنْ كَانَتْ لِلَّهِ فَهُوَ التَّوْحِيدُ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْمَطَالِبِ ، وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِهِ فَالشِّرْكُ الْأَكْبَرُ الْمُخَلَّدُ صَاحِبُهُ فِي النَّارِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ . وَلِذَا قُلْنَا ( وَصَرْفُ بَعْضِهَا ) أَيْ شَيْءٍ مِنْهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ ( لِغَيْرِ اللَّهِ ) كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ قَبْرٍ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ ، كُلُّ ذَلِكَ ( شِرْكٌ ) أَكْبَرٌ ، ( وَذَاكَ ) إِشَارَةٌ إِلَى الشِّرْكِ هُوَ ( أَقْبَحُ الْمَنَاهِي ) عَلَى الْإِطْلَاقِ .
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=5وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) ( الْأَحْقَافِ : 5 ) الْآيَاتِ ; أَيْ لَا أَحَدَ أَضَلُّ مِنْهُ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=117وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ) ( الْمُؤْمِنُونَ : 117 ) .
[ ص: 458 ] وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) ( لُقْمَانَ : 13 )
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29437فَالشِّرْكُ أَعْظَمُ الظُّلْمِ لِأَنَّ الظُّلْمَ هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَلَا أَعْظَمَ ظُلْمًا مِنْ شِكَايَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ الَّذِي هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِيمَا أَصَابَهُ مِنْ ضُرٍّ أَوْ فَاتَهُ مِنْ خَيْرٍ إِلَى مَنْ لَا يَرْحَمُهُ وَلَا يَسْمَعُهُ وَلَا يُبْصِرُهُ وَلَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِدَاعِيهِ مِنْ ضُرٍّ وَلَا نَفْعٍ وَلَا مَوْتٍ وَلَا حَيَاةٍ وَلَا نُشُورٍ ، وَلَا يُغْنِي عَنْهُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ، وَعُدُولُهُ عَمَّنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ ، وَيَفْزَعُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ إِلَى مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ الْبَتَّةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=13وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=14إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) ( فَاطِرٍ : 13 - 14 ) وَصَرْفُهُ عِبَادَةَ خَالِقِهِ - الَّذِي خَلَقَهُ لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَرَبَّاهُ بِنِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَحَفِظَهُ وَكَلَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَحَمَاهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَخَاوِفِ وَالْأَخْطَارِ - لِمَخْلُوقٍ مِثْلِهِ خَلَقَهُ اللَّهُ بِقُدْرَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلُ شَيْئًا ، بَلْ هُوَ مُسَخَّرٌ مُدَبَّرٌ مَرْبُوبٌ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا شَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ ، لَا يُبْدِي حَرَاكًا وَلَا يَنْفَكُّ مِنْ قَبْضَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، بَلْ هُوَ خَلْقُهُ وَمِلْكُهُ مَخْلُوقٌ لِعِبَادَتِهِ فَيَرْفَعُهُ مِنْ دَرَجَةِ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّأَلُّهِ إِلَى جَعْلِهِ مَأْلُوهًا مَعْبُودًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=28ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ) ( الرُّومِ : 28 ) الْآيَةَ .
هَذَا وَاللَّهِ أَظْلَمُ الظُّلْمِ وَأَقْبَحُ الْجَهْلِ وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ ، وَلِذَا لَمْ تَدْعُ الرُّسُلُ إِلَى شَيْءٍ قَبْلَ التَّوْحِيدِ ، وَلَمْ تَنْهَ عَنْ شَيْءٍ قَبْلَ التَّنْدِيدِ ، وَلَمْ يَتَوَعَّدِ اللَّهُ عَلَى ذَنَبٍ أَكْبَرَ مِمَّا جَاءَ عَلَى الشِّرْكِ مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ . وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024516قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : " أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ " . وَسَنَذْكُرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ قَرِيبًا مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُ الْمُوَحِّدِينَ
[ ص: 459 ] وَتُدْحَضُ شُبْهَةُ الْمُعَانِدِينَ ، وَيُدْمَغُ بَاطِلُ الْمُلْحِدِينَ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ .