الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      ذكر أقوال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفة العلو

      روى ابن أبي شيبة ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أبو بكر رضي الله عنه : أيها الناس ، إن كان محمد إلهكم الذي تعبدونه ، فإن إلهكم قد مات ، وإن كان إلهكم الله الذي في السماء ، فإن إلهكم لم يمت ، ثم تلا : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ) ، حتى ختم الآية .

      وللبخاري في تاريخه ، عنه رضي الله ، قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخل أبو بكر - رضي الله عنه - عليه ، فأكب عليه وقبل جبهته ، وقال : بأبي أنت وأمي ، طبت حيا وميتا ، وقال : من كان يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله ، فإن الله في السماء حي لا يموت .

      ولابن أبي شيبة ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : لما قدم عمر - رضي الله عنه - الشام ، استقبله الناس وهو على بعيره ، فقالوا : لو ركبت برذونا ، يلقاك عظماء الناس ووجوههم . فقال عمر رضي الله عنه : ألا أراكم هاهنا ، إنما الأمر من هاهنا ، فأشار بيده إلى السماء . قال الذهبي : إسناده كالشمس .

      وروى الزهري ، عن سالم أن كعبا قال لعمر : ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء ، فقال عمر : إلا من حاسب نفسه ؟ فقال كعب : إلا من حاسب نفسه ، فكبر عمر ، ثم خر ساجدا .

      وعن [ ص: 176 ] عبد الرحمن بن غنم ، قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : ويل لديان الأرض من ديان السماء يوم يلقونه ، إلا من أمر بالعدل ، فقضى بالحق ، ولم يقض على هوى ولا على قرابة ، ولا على رغبة ولا رهب ، وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه . قال ابن غنم : فحدثت بهذا عثمان ، ومعاوية ، ويزيد ، وعبد الملك .

      رواه أبو نعيم . وعن أبي يزيد المدني ، قال : لقيت عمر امرأة ، يقال لها خولة بنت ثعلبة ، فقال عمر : هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات . قال الذهبي : هذا إسناد صالح فيه انقطاع ، أبو يزيد لم يلحق عمر رضي الله عنه . وفي لفظ : عن عمر - رضي الله عنه - أنه مر بعجوز ، فاستوقفته فوقف يحدثها ، فقال رجل : يا أمير المؤمنين ، حبست الناس على هذه العجوز . فقال ، : ويلك ، أتدري من هي ؟ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات ، هذه خولة التي أنزل الله فيها : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) . وهذا الحديث رواه عثمان بن سعيد الدارمي ، وقال ابن عبد البر : حدثنا من وجوه عن عمر - رضي الله عنه - فذكره . ومن شعر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه :


      شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا     وأن العرش فوق الماء طاف
      وفوق العرش رب العالمينا     وتحمله ملائكة كرام
      ملائكة الإله مسومينا

      .

      [ ص: 177 ] قال ابن عبد البر في الاستيعاب : رويناه من وجوه صحاح . وروى الدارمي ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : ما بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام ، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام ، وبين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام ، والعرش على الماء ، والله - تعالى - فوق العرش ، وهو يعلم ما أنتم عليه .

      وروى الأعمش ، عن خيثمة ، عنه : إن العبد ليهم بالأمر من التجارة أو الإمارة ، حتى إذا تيسر له نظر الله إليه من فوق سبع سماوات ، فيقول للملائكة : اصرفوه عنه ، فإنه إن يسرته له ، أدخلته النار . أخرجه اللالكائي بإسناد قوي ، وعنه - رضي الله عنه - قال : إن الله - تعالى - يبرز لأهل جنته في كل جمعة في كثيب من كافور أبيض ، فيحدث لهم من الكرامة ما لم يروا مثله ، ويكونون من الدنو منه كمسارعتهم إلى الجمع . أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى بإسناد جيد .

      وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : البحر المسجور يجري تحت العرش . وتقدم حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه : وينزل الله - تعالى - في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي . وعن أم سلمة - رضي الله عنها - في قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) قالت : الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإقرار به إيمان ، والجحود به كفر .

      قال الذهبي : هذا القول محفوظ عن جماعة كربيعة الرأي ، ومالك الإمام ، وأبي جعفر الترمذي ، فأما عن أم سلمة فلا يصح ; لأن أبا كنانة ليس بثقة ، وأبو عمير لا أعرفه .

      وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : قالت الملائكة : يا ربنا ، منا الملائكة المقربون ، ومنا حملة العرش ، ومنا [ ص: 178 ] الكرام الكاتبون . وذكر الحديث ، قال الذهبي : إسناده صالح .

      وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : وايم الله ، إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلته - يعني : عثمان رضي الله عنه ، ولكن علم الله من فوق عرشه أني لم أحب قتله . رواه الدارمي . وعن أسماء بنت عميس أن جعفرا - رضي الله عنه - جاءها إذ هم بالحبشة يبكي ، فقالت : ما شأنك ؟ قال : رأيت فتى مترفا من الحبشة شابا جسيما ، مر على امرأة ، فطرح دقيقا كان معها ، فنسفته الريح ، فقالت : أكلك إلى يوم يجلس الملك على الكرسي ، فيأخذ للمظلوم من الظالم . رواه ابن ماجه وغيره .

      وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال : لما لعن الله إبليس وأخرجه من سماواته وأخزاه ، قال : رب ، أخزيتني ولعنتني وطردتني عن سماواتك وجوارك ، فوعزتك لأغوين خلقك ما دامت الأرواح في أجسادهم ، فأجابه الرب - تبارك وتعالى - فقال : وعزتي وجلالي وارتفاعي على عرشي ، لو أن عبدي أذنب حتى ملأ السماوات والأرض خطايا ، ثم لم يبق من عمره إلا نفس واحد فندم على ذنوبه ، لغفرتها ، وبدلت سيئاته كلها حسنات . وقد روي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الشيطان قال : وعزتك ، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الرب : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني ، لا أزال أغفر ما استغفروني .

      وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : إن الكرسي الذي وسع السماوات والأرض لموضع قدميه ، وما يقدر قدر العرش إلا الذي خلقه ، وإن السماوات في خلق الرحمن - عز وجل - مثل قبة في [ ص: 179 ] صحراء . رواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة .

      وللدارمي عنه - رضي الله عنه - أنه استأذن على عائشة - رضي الله عنها - وهي تموت ، فقال : كنت أحب نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه ، ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب إلا طيبا ، وأنزل الله - تعالى - براءتك من فوق سبع سماوات ، جاء بها الروح الأمين ، فأصبح ليس مسجدا من مساجد الله - تعالى - يذكر فيها إلا وهو يتلى فيها آناء الليل وآناء النهار .

      وذكر الطبراني في شرح السنة ، عن مجاهد قال : قيل لابن عباس : إن ناسا يكذبون بالقدر ، قال : يكذبون بالكتاب ، لئن أخذت شعر أحد لا ينبتونه ، إن الله - تعالى - كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا ، فخلق الخلق ، وكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه .

      ولإسحاق بن راهويه ، عن عكرمة في قوله تعالى : ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم يستطع أن يقول من فوقهم ، علم أن الله - تعالى - من فوقهم . وليحيى بن سعيد الأموي ، عن عدي بن عميرة - رضي الله عنه - قال : خرجت مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر قصة طويلة ، وقال فيها : فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم ، ويزعمون أن إلههم في السماء ، فأسلمت وتبعته . وأقوال الصحابة في هذا الباب وتفاسيرهم أكثر من أن تحضر ، وفيما ذكرنا كفاية .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية