الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المكتبة الإسلامية

الرئيسية
المكتبة الإسلامية

فهرس الكتاب

متن العقيدة الواسطية

شرح العقيدة الواسطية

شرح العقيدة الواسطية

محمد خليل هراس - محمد بن خليل حسن هراس

صفحة

جزء

( ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى ) .

التالي السابق

عرض الحاشية

ش وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( لَا يُقَاسُ بِخَلْقِهِ ) فَالْمَقْصُودُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ شَيْءٍ مِنَ الْأَقْيِسَةِ الَّتِي تَقْتَضِي الْمُمَاثَلَةَ وَالْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ فِي الشُّئُونِ الْإِلَهِيَّةِ .

وَذَلِكَ مِثْلُ قِيَاسِ التَّمْثِيلِ الَّذِي يُعَرِّفُهُ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ بِأَنَّهُ إِلْحَاقُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ فِي حُكْمٍ جَامِعٍ ، كَإِلْحَاقِ النَّبِيذِ بِالْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي عِلَّةِ الْحُكْمِ ، وَهِيَ الْإِسْكَارُ .

فَقِيَاسُ التَّمْثِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُودِ مُمَاثَلَةٍ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَثَّلَ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ .

[ ص: 106 ] وَمِثْلُ قِيَاسِ الشُّمُولِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْمَنَاطِقَةِ بِأَنَّهُ الِاسْتِدْلَالُ بِكُلِّيٍّ عَلَى جُزْئِيٍّ بِوَاسِطَةِ انْدِرَاجِ ذَلِكَ الْجُزْئِيِّ مَعَ غَيْرِهِ تَحْتَ هَذَا الْكُلِّيِّ .

فَهَذَا الْقِيَاسُ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَفْرَادِ الْمُنْدَرِجَةِ تَحْتَ هَذَا الْكُلِّيِّ ، وَلِذَلِكَ يُحْكَمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا بِمَا حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِ .

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبَيْنَ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ .

وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى قِيَاسُ الْأَوْلَى ، وَمَضْمُونُهُ أَنَّ كُلَّ كَمَالٍ ثَبَتَ لِلْمَخْلُوقِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَتَّصِفَ بِهِ الْخَالِقُ ؛ فَالْخَالِقُ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، وَكُلَّ نَقْصٍ تَنَزَّهَ عَنْهُ الْمَخْلُوقُ ؛ فَالْخَالِقُ أَحَقُّ بِالتَّنَزُّهِ عَنْهُ .

وَكَذَلِكَ قَاعِدَةُ الْكَمَالِ الَّتِي تَقُولُ : إِنَّهُ إِذَا قَدَرَ اثْنَانِ : أَحَدُهُمَا مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ كَمَالٍ ، وَالْآخَرُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّصِفَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ ؛ كَانَ الْأَوَّلُ أَكْمَلَ مِنَ الثَّانِي ، فَيَجَبُ إِثْبَاتُ مِثْلِ تِلْكَ الصِّفَةِ لِلَّهِ مَا دَامَ وُجُودُهَا كَمَالًا وَعَدَمُهَا نَقْصًا .

ش وأما قوله : ( لا يقاس بخلقه ) فالمقصود به أنه لا يجوز استعمال شيء من الأقيسة التي تقتضي المماثلة والمساواة بين المقيس والمقيس عليه في الشئون الإلهية .

وذلك مثل قياس التمثيل الذي يعرفه علماء الأصول بأنه إلحاق فرع بأصل في حكم جامع ، كإلحاق النبيذ بالخمر في الحرمة لاشتراكهما في علة الحكم ، وهي الإسكار .

فقياس التمثيل مبني على وجود مماثلة بين الفرع والأصل ، والله عز وجل لا يجوز أن يمثل بشيء من خلقه .

[ ص: 106 ] ومثل قياس الشمول المعروف عند المناطقة بأنه الاستدلال بكلي على جزئي بواسطة اندراج ذلك الجزئي مع غيره تحت هذا الكلي .

فهذا القياس مبني على استواء الأفراد المندرجة تحت هذا الكلي ، ولذلك يحكم على كل منها بما حكم به عليه .

ومعلوم أنه لا مساواة بين الله عز وجل وبين شيء من خلقه .

وإنما يستعمل في حقه تعالى قياس الأولى ، ومضمونه أن كل كمال ثبت للمخلوق وأمكن أن يتصف به الخالق ؛ فالخالق أولى به من المخلوق ، وكل نقص تنزه عنه المخلوق ؛ فالخالق أحق بالتنزه عنه .

وكذلك قاعدة الكمال التي تقول : إنه إذا قدر اثنان : أحدهما موصوف بصفة كمال ، والآخر يمتنع عليه أن يتصف بتلك الصفة ؛ كان الأول أكمل من الثاني ، فيجب إثبات مثل تلك الصفة لله ما دام وجودها كمالا وعدمها نقصا .