الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المكتبة الإسلامية

الرئيسية
المكتبة الإسلامية

فهرس الكتاب

متن العقيدة الواسطية

شرح العقيدة الواسطية

شرح العقيدة الواسطية

محمد خليل هراس - محمد بن خليل حسن هراس

صفحة

جزء

( وقوله : إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا ، وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) .

التالي السابق

عرض الحاشية

ش قَوْلُهُ : إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا . . إِلَخْ ؛ هَذِهِ الْآيَاتُ تَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ صِفَاتِ الْعَفْوِ وَالْقُدْرَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعِزَّةِ وَالتَّبَارُكِ وَالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ .

فَالْعَفُوُّ الَّذِي هُوَ اسْمُهُ تَعَالَى ؛ مَعْنَاهُ : الْمُتَجَاوِزُ عَنْ عُقُوبَةِ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ تَابُوا إِلَيْهِ وَأَنَابُوا ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ .

وَلَمَّا كَانَ أَكْمَلُ الْعَفْوِ هُوَ مَا كَانَ عَنْ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ عَلَى الِانْتِقَامِ وَالْمُؤَاخَذَةِ ؛ جَاءَ هَذَانِ الِاسْمَانِ الْكَرِيمَانِ : الْعَفُوُّ وَالْقَدِيرُ مُقْتَرِنَيْنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي غَيْرِهَا .

وَأَمَّا الْقُدْرَةُ ؛ فَهِيَ الصِّفَةُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمُمْكِنَاتِ إِيجَادًا وَإِعْدَامًا ، فَكُلُّ مَا كَانَ وَوَقَعَ مِنَ الْكَائِنَاتِ وَاقِعٌ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ ؛ كَمَا فِي الْحَدِيثِ : [ ص: 159 ] مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا . . الْآيَةَ ؛ فَقَدْ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ ، وَكَانَ مِمَّنْ خَاضُوا فِي الْإِفْكِ ، وَكَانَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتَ خَالَةِ أَبِي بَكْرٍ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : ( وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي ) ، وَوَصَلَ مِسْطَحًا .

ش قوله : إن تبدوا خيرا . . إلخ ؛ هذه الآيات تضمنت إثبات صفات العفو والقدرة والمغفرة والرحمة والعزة والتبارك والجلال والإكرام .

فالعفو الذي هو اسمه تعالى ؛ معناه : المتجاوز عن عقوبة عباده إذا هم تابوا إليه وأنابوا ؛ كما قال تعالى : وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .

ولما كان أكمل العفو هو ما كان عن قدرة تامة على الانتقام والمؤاخذة ؛ جاء هذان الاسمان الكريمان : العفو والقدير مقترنين في هذه الآية وفي غيرها .

وأما القدرة ؛ فهي الصفة التي تتعلق بالممكنات إيجادا وإعداما ، فكل ما كان ووقع من الكائنات واقع بمشيئته وقدرته ؛ كما في الحديث : [ ص: 159 ] ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .

وأما قوله تعالى : وليعفوا وليصفحوا . . الآية ؛ فقد نزلت في شأن أبي بكر رضي الله عنه حين حلف لا ينفق على مسطح بن أثاثة ، وكان ممن خاضوا في الإفك ، وكانت أم مسطح بنت خالة أبي بكر ، فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر : ( والله إني لأحب أن يغفر الله لي ) ، ووصل مسطحا .