[ ص: 327 ] فصل الكبائر
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=21482_27522الكبائر فاختلف السلف فيها اختلافا لا يرجع إلى تباين وتضاد ، وأقوالهم متقاربة .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
[ ص: 328 ] [ ص: 329 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=980230الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس .
وفيهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=16329عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980231ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ - ثلاثا - قالوا : بلى ، يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين - وجلس وكان متكئا - فقال : ألا وقول الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت .
وفي الصحيح من حديث
أبي وائل عن
nindex.php?page=showalam&ids=12171عمرو بن شرحبيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : قلت
nindex.php?page=hadith&LINKID=980232يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ قال : أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قال قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ، قال قلت : ثم أي ؟ قال : أن تزاني بحليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون .
[ ص: 330 ] وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=980233اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات .
وروى
شعبة عن
سعد بن إبراهيم سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15770حميد بن عبد الرحمن يحدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=980234من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه ، قالوا : وكيف يسب الرجل والديه ؟ قال : يسب الرجل أبا الرجل ، فيسب أباه ، ويسب أمه ، فيسب أمه .
وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980235إن من أكبر الكبائر استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم بغير حق .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
أكبر الكبائر الشرك بالله ، والأمن من مكر الله ، والقنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : سأل رجل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن الكبائر أسبع هن ؟ قال : هن إلى السبعمائة أقرب ، إلا أنه
nindex.php?page=treesubj&link=27522لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار ، وقال : كل شيء عصي الله به فهو كبيرة ، من عمل شيئا منها فليستغفر الله ، فإن الله لا يخلد في النار من الأمة إلا من كان راجعا عن الإسلام ، أو جاحدا فريضة ، أو مكذبا بالقدر .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ما نهى الله عنه في سورة النساء من أولها
[ ص: 331 ] إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فهو كبيرة ، وقال
علي بن أبي طلحة : هي كل ذنب ختمه الله بنار ، أو غضب ، أو لعنة ، أو عذاب .
وقال
الضحاك : هي ما أوعد الله عليه حدا في الدنيا ، أو عذابا في الآخرة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14127الحسين بن الفضل : ما سماه الله في القرآن كبيرا ، أو عظيما ، نحو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2إنه كان حوبا كبيرا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31إن قتلهم كان خطئا كبيرا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=28إن كيدكن عظيم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=16سبحانك هذا بهتان عظيم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=53إن ذلكم كان عند الله عظيما .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : الكبائر ما كان فيه من المظالم بينك وبين العباد ، والصغائر ما كان بينك وبين الله ، لأن الله كريم يعفو ، واحتج بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون عن
nindex.php?page=showalam&ids=15767حميد الطويل عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينادي مناد من قبل بطنان العرش يوم القيامة يا أمة محمد ، إن الله عز وجل قد عفا عنكم جميعكم ، المؤمنين والمؤمنات ، فتواهبوا المظالم بينكم ، وادخلوا الجنة برحمتي .
[ ص: 332 ] قلت : مراد
سفيان : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30518_21480الذنوب التي بين العبد وبين الله أسهل أمرا من مظالم العباد ، فإنها تزول بالاستغفار ، والعفو والشفاعة وغيرها ، وأما مظالم العباد فلا بد من استيفائها ، وفي المعجم
nindex.php?page=showalam&ids=14687للطبراني :
nindex.php?page=treesubj&link=25985الظلم عند الله يوم القيامة ثلاثة دواوين : ديوان لا يغفر الله منه شيئا ، وهو الشرك بالله ، ثم قرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به وديوان لا يترك الله منه شيئا ، وهو مظالم العباد بعضهم بعضا ، وديوان لا يعبأ الله به شيئا ، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين الله .
ومعلوم أن هذا الديوان مشتمل على الكبائر والصغائر ، لكن مستحقه أكرم الأكرمين ، وما يعفو عنه من حقه ويهبه أضعاف أضعاف ما يستوفيه ، فأمره أسهل من الديوان الذي لا يترك منه شيئا لعدله ، وإيصال كل حق إلى صاحبه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16872مالك بن مغول : الكبائر ذنوب أهل البدع ، والسيئات ذنوب أهل السنة .
قلت : يريد أن
nindex.php?page=treesubj&link=20428البدعة من الكبائر ، وأنها أكبر من كبائر أهل السنة ،
nindex.php?page=treesubj&link=20428_27522فكبائر أهل السنة صغائر بالنسبة إلى البدع ، وهذا معنى قول بعض السلف :
nindex.php?page=treesubj&link=20425البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ، لأن البدعة لا يتاب منها ، والمعصية يتاب منها .
وقيل :
nindex.php?page=treesubj&link=27522الكبائر ذنوب العمد ، والسيئات الخطأ والنسيان ، وما أكره عليه ، وحديث النفس ، المرفوعة عن هذه الأمة .
قلت : هذا من أضعف الأقوال طردا وعكسا ، فإن الخطأ والنسيان والإكراه لا يدخل تحت جنس المعاصي ، حتى يكون أحد قسميها .
والعمد نوعان : نوع كبائر ، ونوع صغائر ، ولعل صاحب هذا القول يرى أن الذنوب كلها كبائر ، وأن الصغائر ما عفا الله لهذه الأمة عنه ، ولم يدخل تحت التكليف ،
[ ص: 333 ] وهذا غير صحيح ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=27530الكبائر والصغائر نوعان تحت جنس المعصية ، ويستحيل وجود النوع بدون جنسه .
وقيل :
nindex.php?page=treesubj&link=21480الكبائر ذنوب المستحلين ، مثل ذنب إبليس ،
nindex.php?page=treesubj&link=21480والصغائر ذنوب المستغفرين ، مثل ذنب
آدم .
قلت : أما المستحل فذنبه دائر بين الكفر والتأويل ، فإنه إن كان عالما بالتحريم فكافر ، وإن لم يكن عالما به فمتأول أو مقلد ، وأما المستغفر فإن استغفاره الكامل يمحو كبائره وصغائره ، فلا كبيرة مع الاستغفار .
فهذا الفرق ضعيف أيضا ، إلا أن يكون مراد صاحبه أن ما يفعله المستحل من الذنب أعظم عقوبة مما يفعله المعترف بالتحريم ، النادم على الذنب ، المستغفر منه ، وهذا صحيح .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : الكبائر ما نهى الله عنه من الذنوب الكبار ، والسيئات مقدماتها ، وتوابعها مما يجتمع فيه الصالح والفاسق ، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها ، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980238العينان تزنيان ، والرجلان تزنيان ، ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه .
وقيل : الكبائر ما يستصغره العباد ، والصغائر ما يستعظمونه ، فيخافون مواقعته ، واحتج أرباب هذه المقالة بما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه عن
أنس رضي الله عنه قال : إنكم لتعملون أعمالا ، هي أدق في أعينكم من الشعر ، كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات .
قلت : أما قول
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : الكبائر
nindex.php?page=treesubj&link=21482ما نهى الله عنه من الذنوب الكبار ، فبيان للشيء بنفسه ، فإن الذنوب الكبار هي الكبائر ، وإنما مراده أن
nindex.php?page=treesubj&link=21481_21482المنهي عنه قسمان ، أحدهما : ما هو مشتمل على المفسدة بنفسه ، ونفس فعله منشأ المفسدة ، فهذا كبيرة ، كقتل النفس والسرقة ، والقذف والزنا .
الثاني : ما كان من مقدمات ذلك ومباديه ، كالنظر واللمس ، والحديث والقبلة ،
[ ص: 334 ] الذي هو مقدمة الزنا ، فهو من الصغائر ، فالصغائر من جنس المقدمات ، والكبائر من جنس المقاصد والغايات .
وأما من قال :
nindex.php?page=treesubj&link=30529_30535ما يستصغره العباد فهو كبائر ، وما يستكبرونه فهو صغائر ، فإن أراد أن الفرق راجع إلى استكبارهم واستصغارهم ، فهو باطل ، فإن العبد يستصغر النظرة ، ويستكبر الفاحشة .
وإن أراد أن استصغارهم للذنب يكبره عند الله ، واستعظامهم له يصغره عند الله ، فهذا صحيح ، فإن العبد كلما صغرت ذنوبه عنده كبرت عند الله ، وكلما كبرت عنده صغرت عند الله ، والحديث إنما يدل على هذا المعنى ، فإن الصحابة - لعلو مرتبتهم عند الله وكمالهم - كانوا يعدون تلك الأعمال موبقات ، ومن بعدهم - لنقصان مرتبتهم عنهم ، وتفاوت ما بينهم - صارت تلك الأعمال في أعينهم أدق من الشعر .
وإذا أردت فهم هذا فانظر
nindex.php?page=treesubj&link=20363هل كان في الصحابة من إذا سمع نص رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه بقياسه ، أو ذوقه ، أو وجده ، أو عقله ، أو سياسته ؟ وهل كان قط أحد منهم يقدم على نص رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلا أو قياسا ، أو ذوقا ، أو سياسة ، أو تقليد مقلد ؟ فلقد أكرم الله أعينهم وصانها أن تنظر إلى وجه من هذا حاله ، أو يكون في زمانهم ، ولقد حكم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه على من قدم حكمه على نص الرسول بالسيف ، وقال : هذا حكمي فيه ، فيالله ! كيف لو رأى ما رأينا ، وشاهد ما بلينا به من
nindex.php?page=treesubj&link=20368_22348تقديم رأي كل فلان وفلان على قول المعصوم صلى الله عليه وسلم ، ومعاداة من اطرح آراءهم ، وقدم عليها قول المعصوم ؟ فالله المستعان ، وهو الموعد ، وإليه المرجع .
وقيل :
nindex.php?page=treesubj&link=27522الكبائر الشرك وما يؤدي إليه ،
nindex.php?page=treesubj&link=27522والصغائر ما عدا الشرك من ذنوب أهل التوحيد .
واحتج أرباب هذه المقالة بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .
واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى -
nindex.php?page=hadith&LINKID=980239ابن آدم ، لو أتيتني بقراب [ ص: 335 ] الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا أتيتك بقرابها مغفرة .
واحتجوا أيضا بالحديث الذي روي مرفوعا وموقوفا
nindex.php?page=hadith&LINKID=980240الظلم ثلاث دواوين ، ديوان لا يغفر الله منه شيئا ، وهو الشرك ، وديوان لا يترك الله منه شيئا ، وهو ظلم العباد بعضهم بعضا ، وديوان لا يعبأ به الله شيئا ، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه .
فهذا جملة ما احتج به أرباب هذه المقالة ، ولا حجة لهم في شيء منه .
أما الآية : فإن غايتها التفريق بين الشرك وغيره ، لأن الشرك لا يغفر إلا بالتوبة منه ، وأما ما دون الشرك فهو موكول إلى مشيئة الله ، وهذا يدل على أن المعاصي دون الشرك وهذا حق ، فإن أراد أرباب هذا القول هذا فلا نزاع فيه ، وإن أرادوا أن كل ما دون الشرك فهو صغيرة في نفسه ، فباطل .
فإن قيل : فإذا كان الشرك وغيره مما تأتي عليه التوبة ، فما وجه
nindex.php?page=treesubj&link=28673الفرق بين الشرك وما دونه ؟ وهل هما في حق التائب ، أم غير التائب ؟ أم أحدهما في حق التائب والآخر في حق غيره ؟ وما الفرق بين هذه الآية وبين قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ؟
فالجواب أن كل واحدة من الآيتين لطائفة ، فآية النساء
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء هي لغير التائبين في القسمين .
والدليل عليه أنه فرق بين الشرك وغيره في المغفرة ، ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن الشرك يغفر بالتوبة ، وإلا لم يصح إسلام كافر أبدا .
وأيضا فإنه خصص مغفرة ما دون الشرك بمن يشاء ، ومغفرة الذنوب للتائبين عامة لا تخصيص فيها ، فخصص وقيد ، وهذا يدل على أنه حكم غير التائب .
وأما آية الزمر
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53إن الله يغفر الذنوب جميعا فهي في حق التائب ، لأنه أطلق وعمم ، فلم يخصها بأحد ، ولم يقيدها بذنب ، ومن المعلوم بالضرورة أن الكفر لا يغفره ، وكثير من الذنوب لا يغفرها ، فعلم أن هذا الإطلاق والتعميم في حق التائب ، فكل من تاب من أي ذنب كان غفر له .
وأما الحديث الآخر
nindex.php?page=hadith&LINKID=980241لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، [ ص: 336 ] أتيتك بقرابها مغفرة فلا يدل على أن ما عدا الشرك كله صغائر ، بل يدل على أن من لم يشرك بالله شيئا فذنوبه مغفورة كائنة ما كانت ، ولكن ينبغي أن يعلم ارتباط إيمان القلوب بأعمال الجوارح ، وتعلقها بها ، وإلا لم يفهم مراد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويقع الخلط والتخبيط .
فاعلم أن هذا النفي العام للشرك - أن لا يشرك بالله شيئا البتة - لا يصدر من مصر على معصية أبدا ، ولا يمكن مدمن الكبيرة والمصر على الصغيرة أن يصفو له التوحيد ، حتى لا يشرك بالله شيئا ، هذا من أعظم المحال ، ولا يلتفت إلى جدلي لا حظ له من أعمال القلوب ، بل قلبه كالحجر أو أقسى ، يقول : وما المانع ؟ وما وجه الإحالة ؟ ولو فرض ذلك واقعا لم يلزم منه محال لذاته ! .
فدع هذا القلب المفتون بجدله وجهله ، واعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=19725الإصرار على المعصية يوجب من خوف القلب من غير الله ، ورجائه لغير الله ، وحبه لغير الله ، وذله لغير الله ، وتوكله على غير الله ما يصير به منغمسا في بحار الشرك ، والحاكم في هذا ما يعلمه الإنسان من نفسه ، إن كان له عقل ، فإن ذل المعصية لا بد أن يقوم بالقلب فيورثه خوفا من غير الله ، وذلك شرك ، ويورثه محبة لغير الله ، واستعانة بغيره في الأسباب التي توصله إلى غرضه ، فيكون عمله لا بالله ولا لله ، وهذا حقيقة الشرك .
نعم قد يكون معه توحيد
أبي جهل ، وعباد الأصنام ، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=28657توحيد الربوبية ، وهو الاعتراف بأنه لا خالق إلا الله ، ولو أنجى هذا التوحيد وحده ، لأنجى عباد الأصنام ، والشأن في توحيد الإلهية الذي هو الفارق بين المشركين والموحدين .
والمقصود أن من لم يشرك بالله شيئا يستحيل أن يلقى الله بقراب الأرض خطايا ، مصرا عليها ، غير تائب منها ، مع كمال توحيده الذي هو غاية الحب والخضوع ، والذل والخوف والرجاء للرب تعالى .
وأما حديث الدواوين فإنما فيه أن حق الرب تعالى لا يئوده أن يهبه ويسقطه ، ولا يحتفل به ويعتني به كحقوق عباده ، وليس معناه : أنه لا يؤاخذ به البتة ، أو أنه كله صغائر ، وإنما معناه أنه يقع فيه من المسامحة والمساهلة والإسقاط والهبة ما لا يقع مثله في حقوق الآدميين .
فظهر أنه لا حجة لهم في شيء مما احتجوا به ، والله أعلم .
وقالت فرقة :
nindex.php?page=treesubj&link=27522الصغائر ما دون الحدين ، والكبائر ما تعلق بها أحد الحدين .
[ ص: 337 ] ومرادهم بالحدين عقوبة الدنيا والآخرة ، فكل ذنب عليه عقوبة مشروعة محدودة في الدنيا ، كالزنا وشرب الخمر ، والسرقة والقذف ، أو عليه وعيد في الآخرة ، كأكل مال اليتيم ، والشرب في آنية الفضة والذهب ، وقتل الإنسان نفسه ، وخيانته أمانته ، ونحو ذلك ، فهو من الكبائر ، وصدق
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع .
[ ص: 327 ] فَصْلٌ الْكَبَائِرُ
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=21482_27522الْكَبَائِرُ فَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهَا اخْتِلَافًا لَا يَرْجِعُ إِلَى تَبَايُنٍ وَتَضَادٍّ ، وَأَقْوَالُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
[ ص: 328 ] [ ص: 329 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=980230الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ .
وَفِيهِمَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16329عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980231أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ؟ - ثَلَاثًا - قَالُوا : بَلَى ، يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ - وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا - فَقَالَ : أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا : لَيْتَهُ سَكَتَ .
وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي وَائِلٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12171عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قُلْتُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980232يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ ، قَالَ قُلْتُ : ثُمَّ أَيْ ؟ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ ، قَالَ قُلْتُ : ثُمَّ أَيْ ؟ قَالَ : أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ .
[ ص: 330 ] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980233اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ .
وَرَوَى
شُعْبَةُ عَنْ
سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=15770حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980234مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ، قَالُوا : وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟ قَالَ : يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ .
وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980235إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةَ الرَّجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : سَأَلَ رَجُلٌ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الْكَبَائِرِ أَسَبْعٌ هُنَّ ؟ قَالَ : هُنَّ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ ، إِلَّا أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=27522لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ ، وَقَالَ : كُلُّ شَيْءٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ ، مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْهَا فَلْيَسْتَغْفِرِ اللَّهَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَلِّدُ فِي النَّارِ مِنَ الْأُمَّةِ إِلَّا مَنْ كَانَ رَاجِعًا عَنِ الْإِسْلَامِ ، أَوْ جَاحِدًا فَرِيضَةً ، أَوْ مُكَذِّبًا بِالْقَدَرِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ مِنْ أَوَّلِهَا
[ ص: 331 ] إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=31إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ فَهُوَ كَبِيرَةٌ ، وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ : هِيَ كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ ، أَوْ غَضَبٍ ، أَوْ لَعْنَةٍ ، أَوْ عَذَابٍ .
وَقَالَ
الضَّحَّاكُ : هِيَ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا ، أَوْ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14127الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ : مَا سَمَّاهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ كَبِيرًا ، أَوْ عَظِيمًا ، نَحْوَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=2إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=28إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=16سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=53إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : الْكَبَائِرُ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْمَظَالِمِ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْعِبَادِ ، وَالصَّغَائِرُ مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ ، لِأَنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يَعْفُو ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=17376يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15767حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ بُطْنَانِ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَفَا عَنْكُمْ جَمِيعِكُمْ ، الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتَ ، فَتَوَاهَبُوا الْمَظَالِمَ بَيْنَكُمْ ، وَادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي .
[ ص: 332 ] قُلْتُ : مُرَادُ
سُفْيَانَ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30518_21480الذُّنُوبَ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ اللَّهِ أَسْهَلُ أَمْرًا مِنْ مَظَالِمِ الْعِبَادِ ، فَإِنَّهَا تَزُولُ بِالِاسْتِغْفَارِ ، وَالْعَفْوِ وَالشَّفَاعَةِ وَغَيْرِهَا ، وَأَمَّا مَظَالِمُ الْعِبَادِ فَلَا بُدَّ مِنِ اسْتِيفَائِهَا ، وَفِي الْمُعْجَمِ
nindex.php?page=showalam&ids=14687لَلطَّبَرَانِيِّ :
nindex.php?page=treesubj&link=25985الظُّلْمُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَةُ دَوَاوِينَ : دِيوَانٌ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا ، وَهُوَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، ثُمَّ قَرَأَ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا ، وَهُوَ مَظَالِمُ الْعِبَادِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَدِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا ، وَهُوَ ظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الدِّيوَانَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ ، لَكِنَّ مُسْتَحِقَّهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ ، وَمَا يَعْفُو عَنْهُ مِنْ حَقِّهِ وَيَهَبُهُ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا يَسْتَوْفِيهِ ، فَأَمْرُهُ أَسْهَلُ مِنَ الدِّيوَانِ الَّذِي لَا يَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا لِعَدْلِهِ ، وَإِيصَالِ كُلِّ حَقٍّ إِلَى صَاحِبِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16872مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ : الْكَبَائِرُ ذُنُوبُ أَهْلِ الْبِدَعِ ، وَالسَّيِّئَاتُ ذُنُوبُ أَهْلِ السُّنَّةِ .
قُلْتُ : يُرِيدُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20428الْبِدْعَةَ مِنَ الْكَبَائِرِ ، وَأَنَّهَا أَكْبَرُ مِنْ كَبَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=20428_27522فَكَبَائِرُ أَهْلِ السُّنَّةِ صَغَائِرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبِدَعِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ السَّلَفِ :
nindex.php?page=treesubj&link=20425الْبِدْعَةُ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ ، لِأَنَّ الْبِدْعَةَ لَا يُتَابُ مِنْهَا ، وَالْمَعْصِيَةُ يُتَابُ مِنْهَا .
وَقِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=27522الْكَبَائِرُ ذُنُوبُ الْعَمْدِ ، وَالسَّيِّئَاتُ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ ، وَمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ ، الْمَرْفُوعَةُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ .
قُلْتُ : هَذَا مِنْ أَضْعَفِ الْأَقْوَالِ طَرْدًا وَعَكْسًا ، فَإِنَّ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَالْإِكْرَاهَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ جِنْسِ الْمَعَاصِي ، حَتَّى يَكُونَ أَحَدَ قِسْمَيْهَا .
وَالْعَمْدُ نَوْعَانِ : نَوْعُ كَبَائِرَ ، وَنَوْعُ صَغَائِرَ ، وَلَعَلَّ صَاحِبَ هَذَا الْقَوْلِ يَرَى أَنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا كَبَائِرُ ، وَأَنَّ الصَّغَائِرَ مَا عَفَا اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنْهُ ، وَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ التَّكْلِيفِ ،
[ ص: 333 ] وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27530الْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ نَوْعَانِ تَحْتَ جِنْسِ الْمَعْصِيَةِ ، وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ النَّوْعِ بِدُونِ جِنْسِهِ .
وَقِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=21480الْكَبَائِرُ ذُنُوبُ الْمُسْتَحِلِّينَ ، مِثْلَ ذَنْبِ إِبْلِيسَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=21480وَالصَّغَائِرُ ذُنُوبُ الْمُسْتَغْفِرِينَ ، مِثْلَ ذَنْبِ
آدَمَ .
قُلْتُ : أَمَّا الْمُسْتَحِلُّ فَذَنْبُهُ دَائِرٌ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالتَّأْوِيلِ ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَكَافِرٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ فَمُتَأَوِّلٌ أَوْ مُقَلِّدٌ ، وَأَمَّا الْمُسْتَغْفِرُ فَإِنَّ اسْتِغْفَارَهُ الْكَامِلَ يَمْحُو كَبَائِرَهُ وَصَغَائِرَهُ ، فَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ .
فَهَذَا الْفَرْقُ ضَعِيفٌ أَيْضًا ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادَ صَاحِبِهِ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْمُسْتَحِلُّ مِنَ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عُقُوبَةً مِمَّا يَفْعَلُهُ الْمُعْتَرِفُ بِالتَّحْرِيمِ ، النَّادِمُ عَلَى الذَّنْبِ ، الْمُسْتَغْفِرُ مِنْهُ ، وَهَذَا صَحِيحٌ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : الْكَبَائِرُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوبِ الْكِبَارِ ، وَالسَّيِّئَاتُ مُقَدِّمَاتُهَا ، وَتَوَابِعُهَا مِمَّا يَجْتَمِعُ فِيهِ الصَّالِحُ وَالْفَاسِقُ ، مِثْلَ النَّظْرَةِ وَاللَّمْسَةِ وَالْقُبْلَةِ وَأَشْبَاهِهَا ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980238الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ .
وَقِيلَ : الْكَبَائِرُ مَا يَسْتَصْغِرُهُ الْعِبَادُ ، وَالصَّغَائِرُ مَا يَسْتَعْظِمُونَهُ ، فَيَخَافُونَ مُوَاقَعَتَهُ ، وَاحْتَجَّ أَرْبَابُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا ، هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ ، كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوبِقَاتِ .
قُلْتُ : أَمَّا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ : الْكَبَائِرُ
nindex.php?page=treesubj&link=21482مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوبِ الْكِبَارِ ، فَبَيَانٌ لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ ، فَإِنَّ الذُّنُوبَ الْكِبَارَ هِيَ الْكَبَائِرُ ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21481_21482الْمَنْهِيَّ عَنْهُ قِسْمَانِ ، أَحَدُهُمَا : مَا هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمَفْسَدَةِ بِنَفْسِهِ ، وَنَفْسُ فِعْلِهِ مَنْشَأُ الْمَفْسَدَةِ ، فَهَذَا كَبِيرَةٌ ، كَقَتْلِ النَّفْسِ وَالسَّرِقَةِ ، وَالْقَذْفِ وَالزِّنَا .
الثَّانِي : مَا كَانَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ ذَلِكَ وَمَبَادِيهِ ، كَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ ، وَالْحَدِيثِ وَالْقُبْلَةِ ،
[ ص: 334 ] الَّذِي هُوَ مُقَدِّمَةُ الزِّنَا ، فَهُوَ مِنَ الصَّغَائِرِ ، فَالصَّغَائِرُ مِنْ جِنْسِ الْمُقَدِّمَاتِ ، وَالْكَبَائِرُ مِنْ جِنْسِ الْمَقَاصِدِ وَالْغَايَاتِ .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=30529_30535مَا يَسْتَصْغِرُهُ الْعِبَادُ فَهُوَ كَبَائِرُ ، وَمَا يَسْتَكْبِرُونَهُ فَهُوَ صَغَائِرُ ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْفَرْقَ رَاجِعٌ إِلَى اسْتِكْبَارِهِمْ وَاسْتِصْغَارِهِمْ ، فَهُوَ بَاطِلٌ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْتَصْغِرُ النَّظْرَةَ ، وَيَسْتَكْبِرُ الْفَاحِشَةَ .
وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ اسْتِصْغَارَهُمْ لِلذَّنْبِ يُكَبِّرُهُ عِنْدَ اللَّهِ ، وَاسْتِعْظَامَهُمْ لَهُ يُصَغِّرُهُ عِنْدَ اللَّهِ ، فَهَذَا صَحِيحٌ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ كُلَّمَا صَغُرَتْ ذُنُوبُهُ عِنْدَهُ كَبُرَتْ عِنْدَ اللَّهِ ، وَكُلَّمَا كَبُرَتْ عِنْدَهُ صَغُرَتْ عِنْدَ اللَّهِ ، وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ - لِعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ وَكَمَالِهِمْ - كَانُوا يَعُدُّونَ تِلْكَ الْأَعْمَالَ مُوبِقَاتٍ ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ - لِنُقْصَانِ مَرْتَبَتِهِمْ عَنْهُمْ ، وَتَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمْ - صَارَتْ تِلْكَ الْأَعْمَالُ فِي أَعْيُنِهِمْ أَدَقَّ مِنَ الشَّعْرِ .
وَإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ هَذَا فَانْظُرْ
nindex.php?page=treesubj&link=20363هَلْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ إِذَا سَمِعَ نَصَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَارَضَهُ بِقِيَاسِهِ ، أَوْ ذَوْقِهِ ، أَوْ وَجْدِهِ ، أَوْ عَقْلِهِ ، أَوْ سِيَاسَتِهِ ؟ وَهَلْ كَانَ قَطُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُقَدِّمُ عَلَى نَصِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلًا أَوْ قِيَاسًا ، أَوْ ذَوْقًا ، أَوْ سِيَاسَةً ، أَوْ تَقْلِيدَ مُقَلِّدٍ ؟ فَلَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ أَعْيُنَهُمْ وَصَانَهَا أَنْ تَنْظُرَ إِلَى وَجْهِ مَنْ هَذَا حَالُهُ ، أَوْ يَكُونَ فِي زَمَانِهِمْ ، وَلَقَدْ حَكَمَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مَنْ قَدَّمَ حُكْمَهُ عَلَى نَصِّ الرَّسُولِ بِالسَّيْفِ ، وَقَالَ : هَذَا حُكْمِي فِيهِ ، فَيَالَلَّهُ ! كَيْفَ لَوْ رَأَى مَا رَأَيْنَا ، وَشَاهَدَ مَا بُلِينَا بِهِ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=20368_22348تَقْدِيمِ رَأْيِ كُلِّ فُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَى قَوْلِ الْمَعْصُومِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمُعَادَاةُ مَنِ اطَّرَحَ آرَاءَهُمْ ، وَقَدَّمَ عَلَيْهَا قَوْلَ الْمَعْصُومِ ؟ فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ، وَهُوَ الْمُوعِدُ ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ .
وَقِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=27522الْكَبَائِرُ الشِّرْكُ وَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=27522وَالصَّغَائِرُ مَا عَدَا الشِّرْكَ مِنْ ذُنُوبِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ .
وَاحْتَجَّ أَرْبَابُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ .
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى -
nindex.php?page=hadith&LINKID=980239ابْنَ آدَمَ ، لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ [ ص: 335 ] الْأَرْضِ خَطَايَا ، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا أَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا
nindex.php?page=hadith&LINKID=980240الظُّلْمُ ثَلَاثُ دَوَاوِينَ ، دِيوَانٌ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا ، وَهُوَ الشِّرْكُ ، وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا ، وَهُوَ ظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَدِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ بِهِ اللَّهُ شَيْئًا ، وَهُوَ ظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ .
فَهَذَا جُمْلَةُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَرْبَابُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ .
أَمَّا الْآيَةُ : فَإِنَّ غَايَتَهَا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الشِّرْكِ وَغَيْرِهِ ، لِأَنَّ الشِّرْكَ لَا يُغْفَرُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ مِنْهُ ، وَأَمَّا مَا دُونَ الشِّرْكِ فَهُوَ مَوْكُولٌ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ دُونَ الشِّرْكِ وَهَذَا حَقٌّ ، فَإِنْ أَرَادَ أَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ هَذَا فَلَا نِزَاعَ فِيهِ ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ كُلَّ مَا دُونَ الشِّرْكِ فَهُوَ صَغِيرَةٌ فِي نَفْسِهِ ، فَبَاطِلٌ .
فَإِنْ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ الشِّرْكُ وَغَيْرُهُ مِمَّا تَأْتِي عَلَيْهِ التَّوْبَةُ ، فَمَا وَجْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28673الْفَرْقِ بَيْنَ الشِّرْكِ وَمَا دُونَهُ ؟ وَهَلْ هُمَا فِي حَقِّ التَّائِبِ ، أَمْ غَيْرِ التَّائِبِ ؟ أَمْ أَحَدُهُمَا فِي حَقِّ التَّائِبِ وَالْآخَرُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ؟
فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْآيَتَيْنِ لِطَائِفَةٍ ، فَآيَةُ النِّسَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ هِيَ لِغَيْرِ التَّائِبِينَ فِي الْقِسْمَيْنِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الشِّرْكِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَغْفِرَةِ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الشِّرْكَ يُغْفَرُ بِالتَّوْبَةِ ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إِسْلَامُ كَافِرٍ أَبَدًا .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ خَصَّصَ مَغْفِرَةَ مَا دُونَ الشِّرْكِ بِمَنْ يَشَاءُ ، وَمَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ لِلتَّائِبِينَ عَامَّةٌ لَا تَخْصِيصَ فِيهَا ، فَخَصَّصَ وَقَيَّدَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُكْمُ غَيْرِ التَّائِبِ .
وَأَمَّا آيَةُ الزُّمَرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=53إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَهِيَ فِي حَقِّ التَّائِبِ ، لِأَنَّهُ أَطْلَقَ وَعَمَّمَ ، فَلَمْ يَخُصَّهَا بِأَحَدٍ ، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِذَنْبٍ ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَغْفِرُهُ ، وَكَثِيرٌ مِنَ الذُّنُوبِ لَا يَغْفِرُهَا ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ وَالتَّعْمِيمَ فِي حَقِّ التَّائِبِ ، فَكُلُّ مَنْ تَابَ مِنْ أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ غُفِرَ لَهُ .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980241لَوْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ، ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا ، [ ص: 336 ] أَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الشِّرْكَ كُلَّهُ صَغَائِرُ ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا فَذُنُوبُهُ مَغْفُورَةٌ كَائِنَةً مَا كَانَتْ ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ ارْتِبَاطُ إِيمَانِ الْقُلُوبِ بِأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ ، وَتَعَلُّقُهَا بِهَا ، وَإِلَّا لَمْ يُفْهَمْ مُرَادُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَقَعُ الْخَلْطُ وَالتَّخْبِيطُ .
فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ الْعَامَّ لِلشِّرْكِ - أَنْ لَا يُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا الْبَتَّةَ - لَا يَصْدُرُ مِنْ مُصِرٍّ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَبَدًا ، وَلَا يُمْكِنُ مُدْمِنُ الْكَبِيرَةِ وَالْمُصِرُّ عَلَى الصَّغِيرَةِ أَنْ يَصْفُوَ لَهُ التَّوْحِيدُ ، حَتَّى لَا يُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا ، هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَالِ ، وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى جَدَلِيٍّ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ ، بَلْ قَلْبُهُ كَالْحَجَرِ أَوْ أَقْسَى ، يَقُولُ : وَمَا الْمَانِعُ ؟ وَمَا وَجْهُ الْإِحَالَةِ ؟ وَلَوْ فُرِضَ ذَلِكَ وَاقِعًا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ مُحَالٌ لِذَاتِهِ ! .
فَدَعْ هَذَا الْقَلْبَ الْمَفْتُونَ بِجَدَلِهِ وَجَهْلِهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19725الْإِصْرَارَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ يُوجِبُ مِنْ خَوْفِ الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ ، وَرَجَائِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَحُبِّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَذُلِّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَتَوَكُّلِهِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ مَا يَصِيرُ بِهِ مُنْغَمِسًا فِي بِحَارِ الشِّرْكِ ، وَالْحَاكِمُ فِي هَذَا مَا يَعْلَمُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ ، فَإِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ بِالْقَلْبِ فَيُورِثَهُ خَوْفًا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ شِرْكٌ ، وَيُورِثُهُ مَحَبَّةً لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَاسْتِعَانَةً بِغَيْرِهِ فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي تُوصِلُهُ إِلَى غَرَضِهِ ، فَيَكُونُ عَمَلُهُ لَا بِاللَّهِ وَلَا لِلَّهِ ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الشِّرْكِ .
نَعَمْ قَدْ يَكُونُ مَعَهُ تَوْحِيدُ
أَبِي جَهْلٍ ، وَعُبَّادُ الْأَصْنَامِ ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28657تَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَهُوَ الِاعْتِرَافُ بِأَنَّهُ لَا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ ، وَلَوْ أَنْجَى هَذَا التَّوْحِيدُ وَحْدَهُ ، لِأَنْجَى عُبَّادَ الْأَصْنَامِ ، وَالشَّأْنُ فِي تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ الَّذِي هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُوَحِّدِينَ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ، مُصِرًّا عَلَيْهَا ، غَيْرَ تَائِبٍ مِنْهَا ، مَعَ كَمَالِ تَوْحِيدِهِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ الْحُبِّ وَالْخُضُوعِ ، وَالذُّلِّ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ لِلرَّبِّ تَعَالَى .
وَأَمَّا حَدِيثُ الدَّوَاوِينِ فَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ حَقَّ الرَّبِّ تَعَالَى لَا يَئُودُهُ أَنْ يَهَبَهُ وَيُسْقِطَهُ ، وَلَا يَحْتَفِلَ بِهِ وَيَعْتَنِي بِهِ كَحُقُوقِ عِبَادِهِ ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ : أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ بِهِ الْبَتَّةَ ، أَوْ أَنَّهُ كُلَّهُ صَغَائِرُ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَالْإِسْقَاطِ وَالْهِبَةِ مَا لَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ .
فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=27522الصَّغَائِرُ مَا دُونَ الْحَدَّيْنِ ، وَالْكَبَائِرُ مَا تَعَلَّقَ بِهَا أَحَدُ الْحَدَّيْنِ .
[ ص: 337 ] وَمُرَادُهُمْ بِالْحَدَّيْنِ عُقُوبَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَكُلُّ ذَنْبٍ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ مَشْرُوعَةٌ مَحْدُودَةٌ فِي الدُّنْيَا ، كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ ، وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ ، أَوْ عَلَيْهِ وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ ، كَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ ، وَقَتْلِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ ، وَخِيَانَتِهِ أَمَانَتَهُ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ ، وَصَدَقَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ : هِيَ إِلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى السَّبْعِ .