الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل منزلة التوبة

فإذا صح هذا المقام ، ونزل العبد في هذه المنزلة ، أشرف منها على مقام التوبة ; لأنه بالمحاسبة قد تميز عنده ما له مما عليه ، فليجمع همته وعزمه على النزول فيه والتشمير إليه إلى الممات .

ومنزل التوبة أول المنازل ، وأوسطها ، وآخرها ، فلا يفارقه العبد السالك ، ولا يزال فيه إلى الممات ، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به ، واستصحبه معه ونزل به ، فالتوبة هي بداية العبد ونهايته ، وحاجته إليها في النهاية ضرورية ، كما أن حاجته إليها في البداية كذلك ، وقد قال الله تعالى وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون وهذه الآية في سورة مدنية ، خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه ، بعد إيمانهم وصبرهم ، وهجرتهم وجهادهم ، ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه ، وأتى بأداة لعل المشعرة بالترجي ، إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح ، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون ، جعلنا الله منهم .

قال تعالى ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون قسم العباد إلى تائب وظالم ، وما ثم قسم ثالث البتة ، وأوقع اسم الظالم على من لم يتب ، ولا أظلم منه ، لجهله بربه وبحقه ، وبعيب نفسه وآفات أعماله ، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : يا أيها الناس ، توبوا إلى الله ، فوالله إني لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة وكان أصحابه يعدون له في [ ص: 197 ] المجلس الواحد قبل أن يقوم " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور " مائة مرة ، وما صلى صلاة قط بعد إذ أنزلت عليه إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخرها ، إلا قال فيها سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لن ينجي أحدا منكم عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل .

فصلوات الله وسلامه على أعلم الخلق بالله وحقوقه وعظمته ، وما يستحقه جلاله من العبودية ، وأعرفهم بالعبودية وحقوقها وأقومهم بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية