الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
فصل

المسألة الثانية : إذا عاوض غيره معاوضة محرمة ، وقبض العوض كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده .

فقالت طائفة : يرده إلى مالكه إذ هو عين ماله ، ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح .

[ ص: 394 ] وقالت طائفة : بل توبته بالتصدق به ، ولا يدفعه إلى من أخذه منه ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو أصوب القولين ، فإن قابضه إنما قبضه ببذل مالكه له ورضاه ببذله ، وقد استوفى عوضه المحرم ، فكيف يجمع له بين العوض والمعوض ؟ وكيف يرد عليه مالا قد استعان به على معاصي الله ، ورضي بإخراجه فيما يستعين به عليها ثانيا وثالثا ؟ وهل هذا إلا محض إعانته على الإثم والعدوان ؟ وهل يناسب هذا محاسن الشرع أن يقضى للزاني بكل ما دفعه إلى من زنى بها ، ويؤخذ منها ذلك طوعا أو كرها فيعطاه وقد نال عوضه ؟ .

وهب أن هذا المال لم يملكه الآخذ ، فملك صاحبه قد زال عنه بإعطائه لمن أخذه ، وقد سلم له ما في قبالته من النفع ، فكيف يقال : ملكه باق عليه ويجب رده إليه ؟ وهذا بخلاف أمره بالصدقة به فإنه قد أخذه من وجه خبيث برضى صاحبه وبذله له بذلك ، وصاحبه قد رضي بإخراجه عن ملكه بذلك ، وأن لا يعود إليه فكان أحق الوجوه به صرفه في المصلحة التي ينتفع بها من قبضه ويخفف عنه الإثم ولا يقوى الفاجر به ويعان ، ويجمع له بين الأمرين .

وهكذا توبة من اختلط ماله الحلال بالحرام وتعذر عليه تمييزه أن يتصدق بقدر الحرام ويطيب باقي ماله ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية