فصل
قال صاحب " المنازل " :
توق مستقصى على حذر . وتحرج على تعظيم . الورع
يعني أن يتوقى الحرام والشبه ، وما يخاف أن يضره أقصى ما يمكنه من التوقي ؛ لأن التوقي والحذر متقاربان . إلا أن التوقي فعل الجوارح . والحذر فعل القلب . فقد يتوقى العبد الشيء لا على وجه الحذر والخوف . ولكن لأمور أخرى من إظهار نزاهة ، وعزة وتصوف ، أو اعتراض آخر ، كتوقي الذين لا يؤمنون بمعاد ، ولا جنة ولا نار ما يتوقونه من الفواحش والدناءة ، تصونا عنها ، ورغبة بنفوسهم عن مواقعتها ، وطلبا للمحمدة ، ونحو ذلك .
وقوله : " أو تحرج على تعظيم " يعني أن الباعث على الورع عن المحارم والشبه إما حذر حلول الوعيد ، وإما تعظيم الرب جل جلاله ، وإجلالا له أن يتعرض لما نهى عنه .
: إما تخوف ، أو تعظيم . واكتفى بذكر التعظيم عن ذكر الحب [ ص: 26 ] الباعث على ترك معصية المحبوب ؛ لأنه لا يكون إلا مع تعظيمه . وإلا فلو خلا القلب من تعظيمه لم تستلزم محبته ترك مخالفته ؛ كمحبة الإنسان ولده وعبده وأمته . فإذا قارنه التعظيم أوجب ترك المخالفة . فالورع عن المعصية
قال : وهو آخر مقام الزهد للعامة ، وأول مقام الزهد للمريد .
يعني أن هذا التوقي والتحرج - بوصف الحذر والتعظيم - هو نهاية لزهد العامة ، وبداية لزهد المريد . وإنما كان كذلك لأن الورع - كما تقدم - هو أول الزهد وركنه ، وزهد المريد فوق زهد العامة . ونهاية العامة هي بداية المريد . فنهاية مقام هذا هي بداية مقام هذا . فإذا انتهى ورع العامة صار زهدا . وهو أول ورع المريد .