الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : الدرجة الثالثة : إخلاص العمل بالخلاص من العمل ، تدعه يسير سير العلم . وتسير أنت مشاهدا للحكم ، حرا من رق الرسم .

قد فسر الشيخ مراده بإخلاص العمل من العمل بقوله : تدعه يسير سير العلم وتسير أنت مشاهدا للحكم .

ومعنى كلامه : أنك تجعل عملك تابعا لعلم ، موافقا له ، مؤتما به . تسير بسيره وتقف بوقوفه ، وتتحرك بحركته . نازلا منازله ، مرتويا من موارده ، ناظرا إلى الحكم الديني الأمري ، متقيدا به ، فعلا وتركا ، وطلبا وهربا . ناظرا إلى ترتب الثواب والعقاب عليه سببا وكسبا . ومع ذلك فتسير أنت بقلبك ، مشاهدا للحكم الكوني القضائي ، الذي تنطوي فيه الأسباب والمسببات ، والحركات والسكنات . ولا يبقى هناك غير محض المشيئة ، وتفرد الرب وحده بالأفعال ، ومصدرها عن إرادته ومشيئته . فيكون قائما بالأمر والنهي فعلا وتركا ، سائرا بسيره ، وبالقضاء والقدر ، إيمانا وشهودا وحقيقة . فهو ناظر إلى الحقيقة . قائم بالشريعة .

وهذان الأمران هما عبودية هاتين الآيتين : ( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) وقال تعالى : ( إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما ) .

فترك العمل يسير سير العلم : مشهد : ( لمن شاء منكم أن يستقيم ) ، وسير صاحبه [ ص: 97 ] مشاهدا للحكم : مشهد : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) .

وأما قوله : حرا من رق الرسم ، فالحرية التي يشيرون إليها : هي عدم الدخول تحت عبودية الخلق والنفس ، والدخول تحت رق عبودية الحق وحده .

ومرادهم بالرسم : ما سوى الله ، فكله رسوم . فإن الرسوم هي الآثار . ورسوم المنازل والديار : هي الآثار التي تبقى بعد سكانها . والمخلوقات بأسرها في منزل الحقيقة رسوم وآثار للقدرة ؛ أي فتخلص نفسك من عبودية كل ما سوى الله ، وتكون بقلبك مع القادر الحق وحده . لا مع آثار قدرته التي هي رسوم . فلا تشتغل بغيره لتشغلها بعبوديته . ولا تطلب بعبوديتك له حالا ولا مقاما . ولا مكاشفة ، ولا شيئا سواه .

فهذه أربعة أمور : بذل الجهد ، وتحكيم العلم ، والنظر إلى الحقيقة ، والتخلص من الالتفات إلى غيره . والله الموفق والمعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية