فصل :
وطائفة ثانية تجعل هذا الكلام من شطحات القوم ورعوناتهم . وتحتج بأحوال الأنبياء والرسل والصديقين ، ودعائهم وسؤالهم ، والثناء عليهم بخوفهم من النار ، ورجائهم للجنة . كما قال تعالى في حق خواص عباده الذين عبدهم المشركون : إنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه - كما تقدم - وقال عن أنبيائه ورسله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=89وزكريا إذ نادى ربه ) - إلى أن قال - (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ) . أي رغبا فيما عندنا ، ورهبا من عذابنا . والضمير في قوله : " إنهم " عائد على الأنبياء المذكورين في هذه السورة عند عامة المفسرين .
والرغب والرهب : رجاء الرحمة ، والخوف من النار عندهم أجمعين .
وذكر سبحانه عباده الذين هم خواص خلقه . وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم . وجعل منها : استعاذتهم به من النار ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=65والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=66إنها ساءت مستقرا ومقاما ) . وأخبر عنهم : أنهم توسلوا إليه بإيمانهم أن ينجيهم من النار . فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=16الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار )
[ ص: 76 ] فجعلوا أعظم وسائلهم إليه : وسيلة الإيمان ، وأن ينجيهم من النار .
وأخبر تعالى عن سادات العارفين أولي الألباب : أنهم كانوا يسألونه جنته . ويتعوذون به من ناره . فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) الآيات إلى آخرها ، ولا خلاف أن الموعود به على ألسنة رسله : هي الجنة التي سألوها .
وقال عن خليله
إبراهيم صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ) إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87ولا تخزني يوم يبعثون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=88يوم لا ينفع مال ولا بنون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=89إلا من أتى الله بقلب سليم ) . فسأل الله الجنة ، واستعاذ به من النار . وهو الخزي يوم البعث .
وأخبرنا سبحانه عن الجنة : أنها كانت وعدا عليه مسئولا ؛ أي يسأله إياها عباده وأولياؤه .
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته : أن يسألوا له في وقت الإجابة - عقيب الأذان - أعلى منزلة في الجنة . وأخبر : أن من سألها له حلت عليه شفاعته .
[ ص: 77 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=980337وقال له سليم الأنصاري : أما إني أسأل الله الجنة ، وأستعيذ به من النار ، لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ ، فقال : أنا ومعاذ حولها ندندن .
وفي الصحيح - في حديث الملائكة السيارة الفضل عن كتاب الناس - إن الله تعالى يسألهم عن عباده - وهو أعلم تبارك وتعالى - فيقولون :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980338أتيناك من عند عباد لك يهللونك ، ويكبرونك ، ويحمدونك ، ويمجدونك ، فيقول عز وجل : وهل رأوني ؟ فيقولون : لا يا رب . ما رأوك . فيقول عز وجل : كيف لو رأوني ؟ فيقولون : لو رأوك لكانوا لك أشد تمجيدا . قالوا : يا رب . ويسألونك جنتك . فيقول : هل رأوها ؟ فيقولون : لا وعزتك ما رأوها . فيقول : فكيف لو رأوها ؟ فيقولون : لو رأوها لكانوا لها أشد طلبا . قالوا : ويستعيذون بك من النار ، فيقول عز وجل : وهل رأوها ؟ فيقولون : لا وعزتك ما رأوها . فيقول : فكيف لو رأوها ؟ فيقولون : لو رأوها لكانوا أشد منها هربا . فيقول : إني أشهدكم أني قد غفرت لهم ، وأعطيتهم ما سألوا ، وأعذتهم مما استعاذوا .
والقرآن والسنة مملوءان من الثناء على عباده وأوليائه بسؤال الجنة ورجائها ، والاستعاذة من النار ، والخوف منها .
قالوا : وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980339استعيذوا بالله من النار . وقال لمن سأله مرافقته في الجنة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980196أعني على نفسك بكثرة السجود .
قالوا : والعمل على طلب الجنة والنجاة من النار مقصود الشارع من أمته ليكونا دائما على ذكر منهما فلا ينسونهما . ولأن الإيمان بهما شرط في النجاة ، والعمل على حصول الجنة والنجاة من النار هو محض الإيمان .
قالوا : وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته ، فوصفها وجلاها لهم ليخطبوها ، وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980340ألا مشمر للجنة ؟ فإنها - ورب الكعبة - نور يتلألأ ، وريحانة تهتز ، وزوجة حسناء ، وفاكهة نضيجة ، وقصر مشيد ، ونهر مطرد - الحديث - فقال الصحابة : يا رسول الله ، [ ص: 78 ] نحن المشمرون لها . فقال : قولوا : إن شاء الله .
ولو ذهبنا نذكر ما في السنة من قوله : 32 من عمل كذا وكذا أدخله الله الجنة تحريضا على عمله لها ، وأن تكون هي الباعثة على العلم : لطال ذلك جدا . وذلك في جميع الأعمال .
قالوا : فكيف يكون العمل لأجل الثواب وخوف العقاب معلولا ؟ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض عليه ، ويقول من فعل كذا فتحت له أبواب الجنة الثمانية و من
nindex.php?page=hadith&LINKID=980341قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة . و
nindex.php?page=hadith&LINKID=980342من كسا مسلما على عري كساه الله من حلل الجنة و
nindex.php?page=hadith&LINKID=980343عائد المريض في خرفة الجنة ، والحديث مملوء من ذلك ؟ أفتراه يحرض
[ ص: 79 ] المؤمنين على مطلب معلول ناقص ، ويدع المطلب العالي البريء من شوائب العلل لا يحرضهم عليه ؟
قالوا : وأيضا فالله سبحانه يحب من عباده أن يسألوه جنته ، ويستعيذوا به من ناره ، فإنه يحب أن يسأل . ومن لم يسأله يغضب عليه . وأعظم ما سئل الجنة وأعظم ما استعيذ به من النار .
فالعمل لطلب الجنة محبوب للرب ، مرضي له . وطلبها عبودية للرب . والقيام بعبوديته كلها أولى من تعطيل بعضها .
قالوا : وإذا خلا القلب من ملاحظة الجنة والنار ، ورجاء هذه والهرب من هذه فترت عزائمه ، وضعفت همته ، ووهى باعثه ، وكلما كان أشد طلبا للجنة ، وعملا لها كان الباعث له أقوى ، والهمة أشد ، والسعي أتم . وهذا أمر معلوم بالذوق .
وقالوا : ولو لم يكن هذا مطلوبا للشارع لما وصف الجنة للعباد ، وزينها لهم ، وعرضها عليهم . وأخبرهم عن تفاصيل ما تصل إليه عقولهم منها ، وما عداه أخبرهم به مجملا . كل هذا تشويقا لهم إليها ، وحثا لهم على السعي لها سعيها .
قالوا : وقد قال الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=25والله يدعو إلى دار السلام ) . وهذا حث على إجابة هذه الدعوة ، والمبادرة إليها ، والمسارعة في الإجابة .
والتحقيق أن يقال : الجنة ليست اسما لمجرد الأشجار والفواكه ، والطعام والشراب ، والحور العين ، والأنهار والقصور . وأكثر الناس يغلطون في
nindex.php?page=treesubj&link=30383مسمى الجنة . فإن الجنة اسم لدار النعيم المطلق الكامل . ومن أعظم نعيم الجنة التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم ، وسماع كلامه ، وقرة العين بالقرب منه وبرضوانه . فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصور ، إلى هذه اللذة أبدا . فأيسر يسير من رضوانه أكبر من الجنان وما فيها من ذلك . كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72ورضوان من الله أكبر ) . وأتى به منكرا في سياق الإثبات ؛ أي : أي شيء كان من رضاه عن عبده : فهو أكبر من الجنة .
قليل منك يقنعني ولكن قليلك لا يقال له قليل
وفي الحديث الصحيح - حديث الرؤية -
nindex.php?page=hadith&LINKID=980344فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم [ ص: 80 ] من النظر إلى وجهه ، وفي حديث آخر أنه سبحانه
إذا تجلى لهم ، ورأوا وجهه عيانا نسوا ما هم فيه من النعيم ، وذهلوا عنه ، ولم يلتفتوا إليه . ولا ريب أن الأمر هكذا . وهو أجل مما يخطر بالبال ، أو يدور في الخيال . ولا سيما عند فوز المحبين هناك بمعية المحب . فإن المرء مع من أحب . ولا تخصيص في هذا الحكم . بل هو ثابت شاهدا وغائبا .
فأي نعيم ، وأي لذة ، وأي قرة عين ، وأي فوز يداني نعيم تلك المعية ولذتها ، وقرة العين بها ؟
وهل فوق نعيم قرة العين بمعية المحبوب ، الذي لا شيء أجل منه ، ولا أكمل ولا أجمل : قرة عين البتة ؟
وهذا - والله - هو العلم الذي شمر إليه المحبون ، واللواء الذي أمه العارفون . وهو روح مسمى الجنة وحياتها . وبه طابت الجنة ، وعليه قامت .
فكيف يقال : لا يعبد الله طلبا لجنته ، ولا خوفا من ناره ؟
وكذلك النار أعاذنا الله منها ، فإن لأربابها من عذاب الحجاب عن الله وإهانته ، وغضبه وسخطه ، والبعد عنه : أعظم من التهاب النار في أجسامهم وأرواحهم ، بل التهاب هذه النار في قلوبهم هو الذي أوجب التهابها في أبدانهم . ومنها سرت إليها .
فمطلوب الأنبياء والمرسلين والصديقين ، والشهداء والصالحين هو الجنة . ومهربهم من النار .
والله المستعان ، وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
ومقصد القوم أن العبد يعبد ربه بحق العبودية . والعبد إذا طلب من سيده أجرة
[ ص: 81 ] على خدمته له كان أحمق ، ساقطا من عين سيده ، إن لم يستوجب عقوبته . إذ عبوديته تقتضي خدمته له . وإنما يخدم بالأجرة من لا عبودية للمخدوم عليه . إما أن يكون حرا في نفسه ، أو عبدا لغيره . وأما من الخلق عبيده حقا ، وملكه على الحقيقة ، ليس فيهم حر ولا عبد لغيره فخدمتهم له بحق العبودية ، فاقتضاؤهم للأجرة خروج عن محض العبودية .
وهذا لا ينكر على الإطلاق ، ولا يقبل على الإطلاق . وهو موضع تفصيل وتمييز .
وقد تقدم في أول الحديث ذكر طرق الخلق في هذا الموضع . وبينا طريق أهل الاستقامة .
nindex.php?page=treesubj&link=30483_30486_28653فالناس في هذا المقام أربعة أقسام :
أحدهم : من لا يريد ربه ولا يريد ثوابه . فهؤلاء أعداؤه حقا . وهم أهل العذاب الدائم . وعدم إرادتهم لثوابه إما لعدم تصديقهم به ، وإما لإيثار العاجل عليه ، ولو كان فيه سخطه .
والقسم الثاني : من يريده ويريد ثوابه ، وهؤلاء خواص خلقه . قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=29وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ) فهذا خطابه لخير نساء العالمين ، أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم . وقال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ) ، فأخبر أن السعي المشكور : سعي من أراد الآخرة . وأصرح منها قوله : لخواص أوليائه - وهم أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم - في يوم أحد : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ) فقسمهم إلى هذين القسمين اللذين لا ثالث لهما .
وقد غلط من قال : فأين من يريد الله ؟ فإن إرادة الآخرة عبارة عن إرادة الله تعالى وثوابه . فإرادة الثواب لا تنافي إرادة الله .
والقسم الثالث : من يريد من الله ، ولا يريد الله . فهذا ناقص غاية النقص . وهو حال الجاهل بربه ، الذي سمع : أن ثم جنة ونارا . فليس في قلبه غير إرادة نعيم الجنة المخلوق ، لا يخطر بباله سواه البتة . بل هذا حال أكثر المتكلمين ، المنكرين رؤية الله
[ ص: 82 ] تعالى ، والتلذذ بالنظر إلى وجهه في الآخرة ، وسماع كلامه وحبه . والمنكرين على من يزعم أنه يحب الله . وهم عبيد الأجرة المحضة . فهؤلاء لا يريدون الله تعالى .
ومنهم من يصرح بأن إرادة الله محال .
قالوا : لأن الإرادة إنما تتعلق بالحادث . فالقديم لا يراد . فهؤلاء منكرون لإرادة الله غاية الإنكار . وأعلى الإرادة عندهم : إرادة الأكل والشرب ، والنكاح واللباس في الجنة ، وتوابع ذلك . فهؤلاء في شق ، وأولئك - الذين قالوا : لم نعبده طلبا لجنته ، ولا هربا من ناره - في شق . وهما طرفا نقيض . بينهما أعظم من بعد المشرقين . وهؤلاء من أكثف الناس حجابا ، وأغلظهم طباعا ، وأقساهم قلوبا ، وأبعدهم عن روح المحبة والتأله ، ونعيم الأرواح والقلوب . وهم يكفرون أصحاب المحبة والشوق إلى الله والتلذذ بحبه ، والتصديق بلذة النظر إلى وجهه ، وسماع كلامه منه بلا واسطة .
وأولئك لا يعدونهم من البشر إلا بالصورة . ومرتبتهم عندهم قريبة من مرتبة الجماد والحيوان البهيم . وهم عندهم في حجاب كثيف عن معرفة نفوسهم وكمالها ، ومعرفة معبودهم وسر عبوديته .
وحال الطائفتين عجب لمن اطلع عليه .
والقسم الرابع - وهو محال - : أن يريد الله ، ولا يريد منه . فهذا هو الذي يزعم هؤلاء أنه مطلوبهم ، وأن من لم يصل إليه ففي سيره علة ، وأن العارف ينتهي إلى هذا المقام . وهو أن يكون الله مراده ، ولا يريد منه شيئا . كما يحكى عن
أبي يزيد أنه قال : قيل لي : ما تريد ؟ فقلت : أريد أن لا أريد .
وهذا في التحقيق عين المحال الممتنع : عقلا وفطرة ، وحسا وشرعا . فإن الإرادة من لوازم الحي . وإنما يعرض له التجرد عنها بالغيبة عن عقله وحسه ؛ كالسكر والإغماء والنوم . فنحن لا ننكر التجريد عن إرادة ما سواه من المخلوقات التي تزاحم إرادتها إرادته . أفليس صاحب هذا المقام مريدا لقربه ورضاه ، ودوام مراقبته ، والحضور معه ؟ وأي إرادة فوق هذه ؟
نعم . قد زهد في مراد لمراد هو أجل منه وأعلى . فلم يخرج عن الإرادة . وإنما انتقل من إرادة إلى إرادة ، ومن مراد إلى مراد . وأما خلوه عن صفة الإرادة بالكلية ، مع حضور عقله وحسه فمحال .
وإن حاكمنا في ذلك محاكم إلى ذوق مصطلم مأخوذ عن نفسه ، فان عن عوالمها : لم
[ ص: 83 ] ننكر ذلك ، لكن هذه حال عارضة غير دائمة ، ولا هي غاية مطلوبة للسالكين ، ولا مقدورة للبشر ، ولا مأمور بها ، ولا هي أعلى المقامات . فيؤمر باكتساب أسبابها . فهذا فصل الخطاب في هذا الموضع . والله سبحانه وتعالى أعلم .
فَصْلٌ :
وَطَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ تَجْعَلُ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ شَطَحَاتِ الْقَوْمِ وَرَعُونَاتِهِمْ . وَتَحْتَجُّ بِأَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالصِّدِّيقِينَ ، وَدُعَائِهِمْ وَسُؤَالِهِمْ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ بِخَوْفِهِمْ مِنَ النَّارِ ، وَرَجَائِهِمْ لِلْجَنَّةِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ خَوَاصِّ عِبَادِهِ الَّذِينَ عَبَدَهُمُ الْمُشْرِكُونَ : إِنَّهُمْ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ - كَمَا تَقَدَّمَ - وَقَالَ عَنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=89وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ ) - إِلَى أَنْ قَالَ - (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) . أَيْ رَغَبًا فِيمَا عِنْدَنَا ، وَرَهَبًا مِنْ عَذَابِنَا . وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : " إِنَّهُمْ " عَائِدٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُفَسِّرِينَ .
وَالرَّغَبُ وَالرَّهَبُ : رَجَاءُ الرَّحْمَةِ ، وَالْخَوْفُ مِنَ النَّارِ عِنْدَهُمْ أَجْمَعِينَ .
وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ هُمْ خَوَاصُّ خَلْقِهِ . وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ . وَجَعَلَ مِنْهَا : اسْتِعَاذَتَهُمْ بِهِ مِنَ النَّارِ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=65وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=66إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ) . وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ : أَنَّهُمْ تَوَسَّلُوا إِلَيْهِ بِإِيمَانِهِمْ أَنْ يُنْجِيَهُمْ مِنَ النَّارِ . فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=16الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )
[ ص: 76 ] فَجَعَلُوا أَعْظَمَ وَسَائِلِهِمْ إِلَيْهِ : وَسِيلَةَ الْإِيمَانِ ، وَأَنْ يُنْجِيَهُمْ مِنَ النَّارِ .
وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ سَادَاتِ الْعَارِفِينَ أُولِي الْأَلْبَابِ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَهُ جَنَّتَهُ . وَيَتَعَوَّذُونَ بِهِ مِنْ نَارِهِ . فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=190إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) الْآيَاتِ إِلَى آخِرِهَا ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْمَوْعُودَ بِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ : هِيَ الْجَنَّةُ الَّتِي سَأَلُوهَا .
وَقَالَ عَنْ خَلِيلِهِ
إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=82وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=83رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=88يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=89إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) . فَسَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ ، وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنَ النَّارِ . وَهُوَ الْخِزْيُ يَوْمَ الْبَعْثِ .
وَأَخْبَرَنَا سُبْحَانَهُ عَنِ الْجَنَّةِ : أَنَّهَا كَانَتْ وَعْدًا عَلَيْهِ مَسْئُولًا ؛ أَيْ يَسْأَلُهُ إِيَّاهَا عِبَادُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ .
وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ : أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ فِي وَقْتِ الْإِجَابَةِ - عُقَيْبَ الْأَذَانِ - أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الْجَنَّةِ . وَأَخْبَرَ : أَنَّ مَنْ سَأَلَهَا لَهُ حَلَّتْ عَلَيْهِ شَفَاعَتُهُ .
[ ص: 77 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=980337وَقَالَ لَهُ سُلَيْمٌ الْأَنْصَارِيُّ : أَمَّا إِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ ، وَأَسْتَعِيذُ بِهِ مِنَ النَّارِ ، لَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ ، فَقَالَ : أَنَا وَمُعَاذٌ حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ .
وَفِي الصَّحِيحِ - فِي حَدِيثِ الْمَلَائِكَةِ السَّيَّارَةِ الْفُضَّلِ عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ - إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْأَلُهُمْ عَنْ عِبَادِهِ - وَهُوَ أَعْلَمُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فَيَقُولُونَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980338أَتَيْنَاكَ مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ يُهَلِّلُونَكَ ، وَيُكَبِّرُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ ، وَيُمَجِّدُونَكَ ، فَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : وَهَلْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ : لَا يَا رَبِّ . مَا رَأَوْكَ . فَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : كَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ فَيَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْكَ لَكَانُوا لَكَ أَشَدَّ تَمْجِيدًا . قَالُوا : يَا رَبِّ . وَيَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ . فَيَقُولُ : هَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ : لَا وَعِزَّتِكَ مَا رَأَوْهَا . فَيَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْهَا لَكَانُوا لَهَا أَشَدَّ طَلَبًا . قَالُوا : وَيَسْتَعِيذُونَ بِكَ مِنَ النَّارِ ، فَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ : لَا وَعِزَّتِكَ مَا رَأَوْهَا . فَيَقُولُ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ فَيَقُولُونَ : لَوْ رَأَوْهَا لَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا هَرَبًا . فَيَقُولُ : إِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ، وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا ، وَأَعَذْتُهُمْ مِمَّا اسْتَعَاذُوا .
وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مَمْلُوءَانِ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى عِبَادِهِ وَأَوْلِيَائِهِ بِسُؤَالِ الْجَنَّةِ وَرَجَائِهَا ، وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنَ النَّارِ ، وَالْخَوْفِ مِنْهَا .
قَالُوا : وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980339اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ . وَقَالَ لِمَنْ سَأَلَهُ مُرَافَقَتَهُ فِي الْجَنَّةِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980196أَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ .
قَالُوا : وَالْعَمَلُ عَلَى طَلَبِ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ مَقْصُودُ الشَّارِعِ مِنْ أُمَّتِهِ لِيَكُونَا دَائِمًا عَلَى ذِكْرٍ مِنْهُمَا فَلَا يَنْسَوْنَهُمَا . وَلِأَنَّ الْإِيمَانَ بِهِمَا شَرْطٌ فِي النَّجَاةِ ، وَالْعَمَلَ عَلَى حُصُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ هُوَ مَحْضُ الْإِيمَانِ .
قَالُوا : وَقَدْ حَضَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ وَأُمَّتَهُ ، فَوَصَفَهَا وَجَلَّاهَا لَهُمْ لِيَخْطُبُوهَا ، وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980340أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ ؟ فَإِنَّهَا - وَرَبِّ الْكَعْبَةِ - نُورٌ يَتَلَأْلَأُ ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ ، وَفَاكِهَةٌ نَضِيجَةٌ ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ - الْحَدِيثَ - فَقَالَ الصَّحَابَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، [ ص: 78 ] نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا . فَقَالَ : قُولُوا : إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَلَوْ ذَهَبْنَا نَذْكُرُ مَا فِي السُّنَّةِ مِنْ قَوْلِهِ : 32 مَنْ عَمِلِ كَذَا وَكَذَا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ تَحْرِيضًا عَلَى عَمَلِهِ لَهَا ، وَأَنْ تَكُونَ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْعِلْمِ : لَطَالَ ذَلِكَ جِدًّا . وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ .
قَالُوا : فَكَيْفَ يَكُونُ الْعَمَلُ لِأَجْلِ الثَّوَابِ وَخَوْفِ الْعِقَابِ مَعْلُولًا ؟ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّضُ عَلَيْهِ ، وَيَقُولُ مَنْ فَعَلَ كَذَا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ وَ مَنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980341قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ . وَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980342مَنْ كَسَا مُسْلِمًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ وَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980343عَائِدُ الْمَرِيضِ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ ، وَالْحَدِيثُ مَمْلُوءٌ مِنْ ذَلِكَ ؟ أَفَتَرَاهُ يُحَرِّضُ
[ ص: 79 ] الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَطْلَبٍ مَعْلُولٍ نَاقِصٍ ، وَيَدَعُ الْمَطْلَبَ الْعَالِي الْبَرِيءَ مِنْ شَوَائِبِ الْعِلَلِ لَا يُحَرِّضُهُمْ عَلَيْهِ ؟
قَالُوا : وَأَيْضًا فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَسْأَلُوهُ جَنَّتَهُ ، وَيَسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ نَارِهِ ، فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ . وَمَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ يَغْضَبْ عَلَيْهِ . وَأَعْظَمُ مَا سُئِلَ الْجَنَّةُ وَأَعْظَمُ مَا اسْتُعِيذَ بِهِ مِنَ النَّارِ .
فَالْعَمَلُ لِطَلَبِ الْجَنَّةِ مَحْبُوبٌ لِلرَّبِّ ، مَرْضِيٌّ لَهُ . وَطَلَبُهَا عُبُودِيَّةٌ لِلرَّبِّ . وَالْقِيَامُ بِعُبُودِيَّتِهِ كُلِّهَا أَوْلَى مِنْ تَعْطِيلِ بَعْضِهَا .
قَالُوا : وَإِذَا خَلَا الْقَلْبُ مِنْ مُلَاحَظَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَرَجَاءِ هَذِهِ وَالْهَرَبِ مِنْ هَذِهِ فَتَرَتْ عَزَائِمُهُ ، وَضَعُفَتْ هِمَّتُهُ ، وَوَهَى بَاعِثُهُ ، وَكُلَّمَا كَانَ أَشَدَّ طَلَبًا لِلْجَنَّةِ ، وَعَمَلًا لَهَا كَانَ الْبَاعِثُ لَهُ أَقْوَى ، وَالْهِمَّةُ أَشَدَّ ، وَالسَّعْيُ أَتَمَّ . وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالذَّوْقِ .
وَقَالُوا : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا مَطْلُوبًا لِلشَّارِعِ لَمَا وَصَفَ الْجَنَّةَ لِلْعِبَادِ ، وَزَيَّنَهَا لَهُمْ ، وَعَرَضَهَا عَلَيْهِمْ . وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ تَفَاصِيلِ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ عُقُولُهُمْ مِنْهَا ، وَمَا عَدَاهُ أَخْبَرَهُمْ بِهِ مُجْمَلًا . كُلُّ هَذَا تَشْوِيقًا لَهُمْ إِلَيْهَا ، وَحَثًّا لَهُمْ عَلَى السَّعْيِ لَهَا سَعْيَهَا .
قَالُوا : وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=25وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ) . وَهَذَا حَثٌّ عَلَى إِجَابَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ ، وَالْمُبَادَرَةِ إِلَيْهَا ، وَالْمُسَارَعَةِ فِي الْإِجَابَةِ .
وَالتَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ : الْجَنَّةُ لَيْسَتِ اسْمًا لِمُجَرَّدِ الْأَشْجَارِ وَالْفَوَاكِهِ ، وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، وَالْحُورِ الْعِينِ ، وَالْأَنْهَارِ وَالْقُصُورِ . وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَغْلَطُونَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30383مُسَمَّى الْجَنَّةِ . فَإِنَّ الْجَنَّةَ اسْمٌ لِدَارِ النَّعِيمِ الْمُطَلَّقِ الْكَامِلِ . وَمِنْ أَعْظَمِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ التَّمَتُّعُ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ ، وَسَمَاعُ كَلَامِهِ ، وَقُرَّةُ الْعَيْنِ بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَبِرِضْوَانِهِ . فَلَا نِسْبَةَ لِلَذَّةِ مَا فِيهَا مِنَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ وَالصُّوَرِ ، إِلَى هَذِهِ اللَّذَّةِ أَبَدًا . فَأَيْسَرُ يَسِيرٍ مِنْ رِضْوَانِهِ أَكْبَرُ مِنَ الْجِنَانِ وَمَا فِيهَا مِنْ ذَلِكَ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ) . وَأَتَى بِهِ مُنَكَّرًا فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ ؛ أَيْ : أَيُّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ رِضَاهُ عَنْ عَبْدِهِ : فَهُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْجَنَّةِ .
قَلِيلٌ مِنْكَ يُقْنِعُنِي وَلَكِنْ قَلِيلُكَ لَا يُقَالُ لَهُ قَلِيلُ
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ - حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=980344فَوَاللَّهِ مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ [ ص: 80 ] مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ
إِذَا تَجَلَّى لَهُمْ ، وَرَأَوْا وَجْهَهُ عِيَانًا نَسُوا مَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ ، وَذَهَلُوا عَنْهُ ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ . وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَمْرَ هَكَذَا . وَهُوَ أَجَلُّ مِمَّا يَخْطُرُ بِالْبَالِ ، أَوْ يَدُورُ فِي الْخَيَالِ . وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ فَوْزِ الْمُحِبِّينَ هُنَاكَ بِمَعِيَّةِ الْمُحِبِّ . فَإِنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ . وَلَا تَخْصِيصَ فِي هَذَا الْحُكْمِ . بَلْ هُوَ ثَابِتٌ شَاهِدًا وَغَائِبًا .
فَأَيُّ نَعِيمٍ ، وَأَيُّ لَذَّةٍ ، وَأَيُّ قُرَّةِ عَيْنٍ ، وَأَيُّ فَوْزٍ يُدَانِي نَعِيمَ تِلْكَ الْمَعِيَّةِ وَلَذَّتَهَا ، وَقُرَّةَ الْعَيْنِ بِهَا ؟
وَهَلْ فَوْقَ نَعِيمِ قُرَّةِ الْعَيْنِ بِمَعِيَّةِ الْمَحْبُوبِ ، الَّذِي لَا شَيْءَ أَجَلَّ مِنْهُ ، وَلَا أَكْمَلَ وَلَا أَجْمَلَ : قُرَّةُ عَيْنٍ الْبَتَّةَ ؟
وَهَذَا - وَاللَّهِ - هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي شَمَّرَ إِلَيْهِ الْمُحِبُّونَ ، وَاللِّوَاءُ الَّذِي أَمَّهُ الْعَارِفُونَ . وَهُوَ رُوحُ مُسَمَّى الْجَنَّةِ وَحَيَاتُهَا . وَبِهِ طَابَتِ الْجَنَّةُ ، وَعَلَيْهِ قَامَتْ .
فَكَيْفَ يُقَالُ : لَا يُعْبَدُ اللَّهُ طَلَبًا لِجَنَّتِهِ ، وَلَا خَوْفًا مِنْ نَارِهِ ؟
وَكَذَلِكَ النَّارُ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْهَا ، فَإِنَّ لِأَرْبَابِهَا مِنْ عَذَابِ الْحِجَابِ عَنِ اللَّهِ وَإِهَانَتِهِ ، وَغَضَبِهِ وَسَخَطِهِ ، وَالْبُعْدِ عَنْهُ : أَعْظَمَ مِنَ الْتِهَابِ النَّارِ فِي أَجْسَامِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ ، بَلِ الْتِهَابُ هَذِهِ النَّارِ فِي قُلُوبِهِمْ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْتِهَابَهَا فِي أَبْدَانِهِمْ . وَمِنْهَا سَرَتْ إِلَيْهَا .
فَمَطْلُوبُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالصِّدِّيقِينَ ، وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ هُوَ الْجَنَّةُ . وَمَهْرَبُهُمْ مِنَ النَّارِ .
وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
وَمَقْصِدُ الْقَوْمِ أَنَّ الْعَبْدَ يَعْبُدُ رَبَّهُ بِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ . وَالْعَبْدُ إِذَا طَلَبَ مِنْ سَيِّدِهِ أُجْرَةً
[ ص: 81 ] عَلَى خِدْمَتِهِ لَهُ كَانَ أَحْمَقَ ، سَاقِطًا مِنْ عَيْنِ سَيِّدِهِ ، إِنْ لَمْ يَسْتَوْجِبْ عُقُوبَتَهُ . إِذْ عُبُودِيَّتُهُ تَقْتَضِي خِدْمَتَهُ لَهُ . وَإِنَّمَا يَخْدِمُ بِالْأُجْرَةِ مَنْ لَا عُبُودِيَّةَ لِلْمَخْدُومِ عَلَيْهِ . إِمَّا أَنْ يَكُونَ حُرًّا فِي نَفْسِهِ ، أَوْ عَبْدًا لِغَيْرِهِ . وَأَمَّا مَنِ الْخَلْقُ عَبِيدُهُ حَقًّا ، وَمِلْكُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، لَيْسَ فِيهِمْ حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ لِغَيْرِهِ فَخِدْمَتُهُمْ لَهُ بِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ ، فَاقْتِضَاؤُهُمْ لِلْأُجْرَةِ خُرُوجٌ عَنْ مَحْضِ الْعُبُودِيَّةِ .
وَهَذَا لَا يُنْكَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَلَا يُقْبَلُ عَلَى الْإِطْلَاقِ . وَهُوَ مَوْضِعُ تَفْصِيلٍ وَتَمْيِيزٍ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ ذِكْرُ طُرُقِ الْخَلْقِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . وَبَيَّنَّا طَرِيقَ أَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=30483_30486_28653فَالنَّاسُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ :
أَحَدُهُمْ : مَنْ لَا يُرِيدُ رَبَّهُ وَلَا يُرِيدُ ثَوَابَهُ . فَهَؤُلَاءِ أَعْدَاؤُهُ حَقًّا . وَهُمْ أَهْلُ الْعَذَابِ الدَّائِمِ . وَعَدَمُ إِرَادَتِهِمْ لِثَوَابِهِ إِمَّا لِعَدَمِ تَصْدِيقِهِمْ بِهِ ، وَإِمَّا لِإِيثَارِ الْعَاجِلِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ سَخَطُهُ .
وَالْقِسْمُ الثَّانِي : مَنْ يُرِيدُهُ وَيُرِيدُ ثَوَابَهُ ، وَهَؤُلَاءِ خَوَاصُّ خَلْقِهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=29وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) فَهَذَا خِطَابُهُ لِخَيْرِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ، أَزْوَاجِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) ، فَأَخْبَرَ أَنَّ السَّعْيَ الْمَشْكُورَ : سَعْيُ مَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ . وَأَصْرَحُ مِنْهَا قَوْلُهُ : لِخَوَاصِّ أَوْلِيَائِهِ - وَهُمْ أَصْحَابُ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ - فِي يَوْمِ أُحُدٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=152مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ) فَقَسَمَهُمْ إِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا .
وَقَدْ غَلِطَ مَنْ قَالَ : فَأَيْنَ مَنْ يُرِيدُ اللَّهَ ؟ فَإِنَّ إِرَادَةَ الْآخِرَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَثَوَابِهِ . فَإِرَادَةُ الثَّوَابِ لَا تُنَافِي إِرَادَةَ اللَّهِ .
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : مَنْ يُرِيدُ مِنَ اللَّهِ ، وَلَا يُرِيدُ اللَّهَ . فَهَذَا نَاقِصٌ غَايَةَ النَّقْصِ . وَهُوَ حَالُ الْجَاهِلِ بِرَبِّهِ ، الَّذِي سَمِعَ : أَنَّ ثَمَّ جَنَّةً وَنَارًا . فَلَيْسَ فِي قَلْبِهِ غَيْرُ إِرَادَةِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ الْمَخْلُوقِ ، لَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ سِوَاهُ الْبَتَّةَ . بَلْ هَذَا حَالُ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ ، الْمُنْكِرِينَ رُؤْيَةَ اللَّهِ
[ ص: 82 ] تَعَالَى ، وَالتَّلَذُّذَ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ فِي الْآخِرَةِ ، وَسَمَاعَ كَلَامِهِ وَحُبَّهُ . وَالْمُنْكِرِينَ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ . وَهُمْ عَبِيدُ الْأُجْرَةِ الْمَحْضَةِ . فَهَؤُلَاءِ لَا يُرِيدُونَ اللَّهَ تَعَالَى .
وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَرِّحُ بِأَنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ مُحَالٌ .
قَالُوا : لِأَنَّ الْإِرَادَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْحَادِثِ . فَالْقَدِيمُ لَا يُرَادُ . فَهَؤُلَاءِ مُنْكِرُونَ لِإِرَادَةِ اللَّهِ غَايَةَ الْإِنْكَارِ . وَأَعْلَى الْإِرَادَةِ عِنْدَهُمْ : إِرَادَةُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ، وَالنِّكَاحِ وَاللِّبَاسِ فِي الْجَنَّةِ ، وَتَوَابِعِ ذَلِكَ . فَهَؤُلَاءِ فِي شِقٍّ ، وَأُولَئِكَ - الَّذِينَ قَالُوا : لَمْ نَعْبُدْهُ طَلَبًا لِجَنَّتِهِ ، وَلَا هَرَبًا مِنْ نَارِهِ - فِي شِقٍّ . وَهُمَا طَرَفَا نَقِيضٍ . بَيْنَهُمَا أَعْظَمُ مِنْ بُعْدِ الْمَشْرِقَيْنِ . وَهَؤُلَاءِ مِنْ أَكْثَفِ النَّاسِ حِجَابًا ، وَأَغْلَظِهِمْ طِبَاعًا ، وَأَقْسَاهُمْ قُلُوبًا ، وَأَبْعَدِهِمْ عَنْ رُوحِ الْمَحَبَّةِ وَالتَّأَلُّهِ ، وَنَعِيمِ الْأَرْوَاحِ وَالْقُلُوبِ . وَهُمْ يُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ الْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ إِلَى اللَّهِ وَالتَّلَذُّذِ بِحُبِّهِ ، وَالتَّصْدِيقِ بِلَذَّةِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ ، وَسَمَاعِ كَلَامِهِ مِنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ .
وَأُولَئِكَ لَا يَعُدُّونَهُمْ مِنَ الْبَشَرِ إِلَّا بِالصُّورَةِ . وَمَرْتَبَتُهُمْ عِنْدَهُمْ قَرِيبَةٌ مِنْ مَرْتَبَةِ الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ . وَهُمْ عِنْدَهُمْ فِي حِجَابٍ كَثِيفٍ عَنْ مَعْرِفَةِ نُفُوسِهِمْ وَكَمَالِهَا ، وَمَعْرِفَةِ مَعْبُودِهِمْ وَسِرِّ عُبُودِيَّتِهِ .
وَحَالُ الطَّائِفَتَيْنِ عَجَبٌ لِمَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ .
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ - وَهُوَ مُحَالٌ - : أَنْ يُرِيدَ اللَّهَ ، وَلَا يُرِيدَ مِنْهُ . فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَزْعُمُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ مَطْلُوبُهُمْ ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ فَفِي سَيْرِهِ عِلَّةٌ ، وَأَنَّ الْعَارِفَ يَنْتَهِي إِلَى هَذَا الْمَقَامِ . وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مُرَادَهُ ، وَلَا يُرِيدُ مِنْهُ شَيْئًا . كَمَا يُحْكَى عَنْ
أَبِي يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ : قِيلَ لِي : مَا تُرِيدُ ؟ فَقُلْتُ : أُرِيدُ أَنْ لَا أُرِيدَ .
وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ عَيْنُ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ : عَقْلًا وَفِطْرَةً ، وَحِسًّا وَشَرْعًا . فَإِنَّ الْإِرَادَةَ مِنْ لَوَازِمِ الْحَيِّ . وَإِنَّمَا يَعْرِضُ لَهُ التَّجَرُّدُ عَنْهَا بِالْغَيْبَةِ عَنْ عَقْلِهِ وَحِسِّهِ ؛ كَالسُّكْرِ وَالْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ . فَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ التَّجْرِيدَ عَنْ إِرَادَةِ مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي تُزَاحِمُ إِرَادَتُهَا إِرَادَتَهُ . أَفَلَيْسَ صَاحِبُ هَذَا الْمَقَامِ مُرِيدًا لِقُرْبِهِ وَرِضَاهُ ، وَدَوَامِ مُرَاقَبَتِهِ ، وَالْحُضُورِ مَعَهُ ؟ وَأَيُّ إِرَادَةٍ فَوْقَ هَذِهِ ؟
نَعَمْ . قَدْ زَهِدَ فِي مُرَادٍ لِمُرَادٍ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُ وَأَعْلَى . فَلَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْإِرَادَةِ . وَإِنَّمَا انْتَقَلَ مِنْ إِرَادَةٍ إِلَى إِرَادَةٍ ، وَمِنْ مُرَادٍ إِلَى مُرَادٍ . وَأَمَّا خُلُوُّهُ عَنْ صِفَةِ الْإِرَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ ، مَعَ حُضُورِ عَقْلِهِ وَحِسِّهِ فَمُحَالٌ .
وَإِنْ حَاكَمَنَا فِي ذَلِكَ مُحَاكِمٌ إِلَى ذَوْقٍ مُصْطَلِمٍ مَأْخُوذٍ عَنْ نَفْسِهِ ، فَانٍ عَنْ عَوَالِمِهَا : لَمْ
[ ص: 83 ] نُنْكِرْ ذَلِكَ ، لَكِنَّ هَذِهِ حَالٌ عَارِضَةٌ غَيْرُ دَائِمَةٍ ، وَلَا هِيَ غَايَةٌ مَطْلُوبَةٌ لِلسَّالِكِينَ ، وَلَا مَقْدُورَةٌ لِلْبَشَرِ ، وَلَا مَأْمُورٌ بِهَا ، وَلَا هِيَ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ . فَيُؤْمَرُ بِاكْتِسَابِ أَسْبَابِهَا . فَهَذَا فَصْلُ الْخِطَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .