فصل منزلة الاستقامة
إياك نعبد وإياك نستعين ) منزلة الاستقامة . ومن منازل : (
قال الله تعالى : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ) . وقال : ( إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ) . [ ص: 104 ] وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم : ( فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ) .
فبين أن الاستقامة ضد الطغيان . وهو مجاوزة الحدود في كل شيء .
وقال تعالى : ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه ) . وقال تعالى : ( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ) .
سئل صديق الأمة وأعظمها استقامة - رضي الله عنه - عن الاستقامة ؟ فقال : أن لا تشرك بالله شيئا . يريد الاستقامة على محض التوحيد . أبو بكر الصديق
وقال رضي الله عنه : الاستقامة : أن تستقيم على الأمر والنهي . ولا تروغ روغان الثعالب . عمر بن الخطاب
وقال رضي الله عنه : استقاموا : أخلصوا العمل لله . عثمان بن عفان
وقال رضي الله عنه ، و علي بن أبي طالب رضي الله عنهما : استقاموا : أدوا الفرائض . ابن عباس
وقال الحسن : استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته ، واجتنبوا معصيته .
وقال مجاهد : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول : استقاموا على محبته وعبوديته ، فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة .
وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال : قلت : . يا رسول الله [ ص: 105 ] قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك . قال : قل آمنت بالله . ثم استقم
وفيه عن رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ثوبان . استقيموا ولن تحصوا . واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة . ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن
والمطلوب من العبد الاستقامة . وهي السداد . فإن لم يقدر عليها فالمقاربة . فإن نزل عنها : فالتفريط والإضاعة . كما في صحيح مسلم من حديث رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة . سددوا وقاربوا . واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل
فجمع في هذا الحديث مقامات الدين كلها . فأمر بالاستقامة ، وهي السداد والإصابة في النيات والأقوال والأعمال .
وأخبر في حديث : أنهم لا يطيقونها . فنقلهم إلى المقاربة . وهي أن يقربوا من [ ص: 106 ] الاستقامة بحسب طاقتهم . كالذي يرمي إلى الغرض ، فإن لم يصبه يقاربه . ومع هذا فأخبرهم أن الاستقامة والمقاربة لا تنجي يوم القيامة . فلا يركن أحد إلى عمله . ولا يعجب به . ولا يرى أن نجاته به ، بل إنما نجاته برحمة الله وعفوه وفضله . ثوبان
فالاستقامة كلمة جامعة ، آخذة بمجامع الدين . وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق ، والوفاء بالعهد .
. فالاستقامة فيها : وقوعها لله ، وبالله ، وعلى أمر الله . والاستقامة تتعلق بالأقوال ، والأفعال ، والأحوال ، والنيات
قال بعض العارفين : كن صاحب الاستقامة ، لا طالب الكرامة . فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة . وربك يطالبك بالاستقامة .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله تعالى روحه - يقول : أعظم الكرامة لزوم الاستقامة .