فصل
قال : وهي على ثلاث درجات . الدرجة الأولى : . لا عاديا رسم العلم ، ولا متجاوزا حد الإخلاص ، ولا مخالفا نهج السنة . الاستقامة على الاجتهاد في الاقتصاد
هذه درجة تتضمن ستة أمور : عملا واجتهادا فيه ، وهو بذل المجهود ، واقتصادا ، [ ص: 108 ] وهو السلوك بين طرفي الإفراط ، وهو الجور على النفوس ، والتفريط بالإضاعة ، ووقوفا مع ما يرسمه العلم ، لا وقوفا مع داعي الحال . وإفراد المعبود بالإرادة ، وهو الإخلاص ، ووقوع الأعمال على الأمر ، وهو متابعة السنة .
فبهذه الأمور الستة تتم لأهل هذه الدرجة استقامتهم . وبالخروج عن واحد منها يخرجون عن الاستقامة : إما خروجا كليا ، وإما خروجا جزئيا .
والسلف يذكرون هذين الأصلين كثيرا - وهما الاقتصاد في الأعمال ، والاعتصام بالسنة - فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره . فإن رأى فيه داعية للبدعة ، وإعراضا عن كمال الانقياد للسنة : أخرجه عن الاعتصام بها . وإن رأى فيه حرصا على السنة ، وشدة طلب لها : لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها ، فأمره بالاجتهاد ، والجور على النفس ، ومجاوزة حد الاقتصاد فيها ، قائلا له : إن هذا خير وطاعة . والزيادة والاجتهاد فيها أكمل . فلا تفتر مع أهل الفتور . ولا تنم مع أهل النوم ، فلا يزال يحثه ويحرضه ، حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها ، فيخرج عن حدها . كما أن الأول خارج هذا الحد . فكذا هذا الآخر خارج عن الحد الآخر .
وهذا حال الخوارج الذين يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم ، وصيامهم مع صيامهم . وقراءتهم مع قراءتهم . وكلا الأمرين خروج عن السنة إلى البدعة . لكن هذا إلى بدعة التفريط ، والإضاعة ، والآخر إلى بدعة المجاوزة والإسراف .
وقال بعض السلف : ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان ، إما إلى تفريط ، وإما إلى مجاوزة ، وهي الإفراط ، ولا يبالي بأيهما ظفر : زيادة أو نقصان .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهما : لعبد الله بن عمرو بن العاص يا إن لكل عامل شرة ، ولكل شرة فترة . فمن كانت فترته إلى سنة أفلح ، ومن كانت فترته إلى بدعة خاب وخسر عبد الله بن عمرو ، . قال له ذلك حين أمره بالاقتصاد في العمل .
فكل الخير في اجتهاد باقتصاد ، وإخلاص مقرون بالاتباع . كما قال بعض الصحابة : اقتصاد في سبيل وسنة ، خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة ، فاحرصوا أن تكون أعمالكم على منهاج الأنبياء عليهم السلام وسنتهم .
وكذلك الرياء في الأعمال يخرجه عن الاستقامة . والفتور والتواني يخرجه عنها أيضا .