[ ص: 112 ] فصل منزلة التوكل  
ومن منازل : (  إياك نعبد وإياك نستعين      ) منزلة التوكل      .  
قال الله تعالى : (  وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين      ) ، وقال : (  وعلى الله فليتوكل المؤمنون      ) ، وقال : (  ومن يتوكل على الله فهو حسبه      ) ، وقال عن أوليائه : (  ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير      ) ، وقال لرسوله : (  قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا      ) ، وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم : (  فتوكل على الله إنك على الحق المبين      ) ، وقال له : (  وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا      ) ، وقال له : (  وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده      ) ، وقال له : (  فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين      ) ، وقال عن أنبيائه ورسله : (  وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا      ) ، وقال عن أصحاب نبيه : (  الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل      ) ، وقال : (  إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون      ) .  
والقرآن مملوء من ذلك .  
وفي الصحيحين - في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب -  هم      [ ص: 113 ] الذين لا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون     .  
وفي صحيح   البخاري  عن   ابن عباس  رضي الله عنهما قال : حسبنا الله ونعم الوكيل . قالها  إبراهيم   صلى الله عليه وسلم ، حين ألقي في النار . وقالها  محمد   صلى الله عليه وسلم حين قالوا له : ( : (  إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل      ) ) .  
وفي الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :  اللهم لك أسلمت وبك آمنت . وعليك توكلت . وإليك أنبت . وبك خاصمت . اللهم إني أعوذ بعزتك ، لا إله إلا أنت أن تضلني . أنت الحي الذي لا يموت . والجن والإنس يموتون     .  
وفي  الترمذي  عن  عمر  رضي الله عنه مرفوعا :  لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا     .  
وفي السنن عن  أنس  رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  من قال - يعني إذا خرج من بيته - بسم الله ، توكلت على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له : هديت ووقيت وكفيت . فيقول الشيطان لشيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ؟     .  
التوكل نصف الدين      . والنصف الثاني الإنابة ، فإن الدين استعانة وعبادة .      [ ص: 114 ] فالتوكل هو الاستعانة ، والإنابة هي العبادة .  
ومنزلته أوسع المنازل وأجمعها . ولا تزال معمورة بالنازلين ، لسعة متعلق التوكل ، وكثرة حوائج العالمين ، وعموم التوكل ، ووقوعه من المؤمنين والكفار ، والأبرار والفجار ، والطير والوحش والبهائم . فأهل السماوات والأرض - المكلفون وغيرهم - في مقام التوكل ، وإن تباين متعلق توكلهم . فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في الإيمان ، ونصرة دينه ، وإعلاء كلمته ، وجهاد أعدائه ، وفي محابه وتنفيذ أوامره .  
ودون هؤلاء من يتوكل عليه في استقامته في نفسه ، وحفظ حاله مع الله ، فارغا عن الناس .  
ودون هؤلاء من يتوكل عليه في معلوم يناله منه . من رزق أو عافية . أو نصر على عدو ، أو زوجة أو ولد ، ونحو ذلك .  
ودون هؤلاء من يتوكل عليه في حصول الإثم والفواحش . فإن أصحاب هذه المطالب لا ينالونها غالبا إلا باستعانتهم بالله . وتوكلهم عليه ، بل قد يكون توكلهم أقوى من توكل كثير من أصحاب الطاعات . ولهذا يلقون أنفسهم في المتالف والمهالك ، معتمدين على الله أن يسلمهم ، ويظفرهم بمطالبهم .  
فأفضل التوكل ، التوكل في الواجب - أعني واجب الحق ، وواجب الخلق ، وواجب النفس - وأوسعه وأنفعه التوكل في التأثير في الخارج في مصلحة دينية . أو في دفع مفسدة دينية ، وهو  توكل الأنبياء   في إقامة دين الله ، ودفع فساد المفسدين في الأرض ، وهذا توكل ورثتهم . ثم الناس بعد في التوكل على حسب هممهم ومقاصدهم ، فمن متوكل على الله في حصول الملك ، ومن متوكل في حصول رغيف .  
ومن صدق توكله على الله في حصول شيء ناله . فإن كان محبوبا له مرضيا كانت له فيه العاقبة المحمودة ، وإن كان مسخوطا مبغوضا كان ما حصل له بتوكله مضرة عليه ، وإن كان مباحا حصلت له مصلحة التوكل دون مصلحة ما توكل فيه . إن لم يستعن به على طاعاته . والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					