قال : الدرجة الثالثة : تسليم ما دون الحق إلى الحق ، مع السلامة من رؤية التسليم ، بمعاينة تسليم الحق إياك إليه .
هذه الدرجة تكملة الدرجة التي قبلها . فإن التسليم في التي قبلها بداية لها . وهي واسطة بين الدرجة الأولى والثالثة . فالأولى : بداية ، والثانية : وسط والثالثة : نهاية .
قوله : تسليم ما دون الحق إلى الحق . يريد به : اضمحلال رسوم الخلق في شهود الحقيقة . وكل ما دون الحق رسوم . فإذا سلم رسمه الخاص إلى ربه : حصل له . وهذا التسليم نوعان . حقيقة الفناء
أحدهما : تسليم رسمه الخاص به .
والثاني : تسليم رسوم الكائنات ، ورؤية تلاشيها واضمحلالها في عين الحقيقة . وهذا علم ومعرفة . والأول حال .
قوله : والسلامة من رؤية التسليم ؛ أي ينسلب أيضا من رسم رؤية التسليم ، فإن الرؤية أيضا رسم من جملة الرسوم . فما دام مستصحبا لها : لم يسلم التسليم التام . وقد بقيت عليه بقية من منازعات رسمه .
ثم عرف كيفية هذا التسليم ، فقال : بمعاينة تسليم الحق إياك إليه ؛ أي ينكشف [ ص: 151 ] لك - حين تسلم ما دون الحق إلى الحق - أن الحق تعالى هو الذي سلم إلى نفسه ما دونه . فالحق تعالى هو الذي سلمك إليه . فهو المسلم وهو المسلم إليه . وأنت آلة التسليم . فمن شهد هذا المشهد : وجد ذاته مسلمة إلى الحق . وما سلمها إلى الحق غير الحق ، فقد سلم العبد من دعوى التسليم . والله أعلم .