فصل
قال : وهو على ثلاث درجات . الدرجة الأولى : . فيجذبه إلى تحمل هذه المجاهدة . ويحمله على استقباح الجناية . ويسكته عن الشكوى . حياء يتولد من علم العبد بنظر الحق إليه
يعني : أن العبد متى علم أن الرب تعالى ناظر إليه أورثه هذا العلم حياء منه . يجذبه إلى احتمال أعباء الطاعة ، مثل العبد إذا عمل الشغل بين يدي سيده ، فإنه يكون نشيطا فيه ، محتملا لأعبائه . ولا سيما مع الإحسان من سيده إليه ، ومحبته لسيده . بخلاف ما إذا كان غائبا عن سيده . والرب تعالى لا يغيب نظره عن عبده . ولكن يغيب نظر القلب والتفاته إلى نظره سبحانه إلى العبيد . فإن القلب إذا غاب نظره ، وقل التفاته إلى نظر الله تبارك وتعالى إليه : تولد من ذلك قلة الحياء والقحة .
[ ص: 254 ] وكذلك يحمله على استقباح جنايته . وهذا الاستقباح الحاصل بالحياء قدر زائد على استقباح ملاحظة الوعيد . وهو فوقه .
وأرفع منه درجة : الاستقباح الحاصل عن المحبة . فاستقباح المحب أتم من استقباح الخائف . ولذلك فإن هذا الحياء يكف العبد أن يشتكي لغير الله . فيكون قد شكا الله إلى خلقه . ولا يمنع الشكوى إليه سبحانه . فإن الشكوى إليه سبحانه فقر ، وذلة ، وفاقة ، وعبودية . فالحياء منه في مثل ذلك لا ينافيها .