فصل
قال : الدرجة الثانية
nindex.php?page=treesubj&link=30505تقطع بصحبة الحال ، وترويح الأنس ، والسير بين القبض والبسط .
أي ينقطع إلى صحبة الحال . وهو الوارد الذي يرد على القلب من تأثيره بالمعاملة ، السالب لوصف الكسل والفتور ، الجالب له إلى مرافقة الرفيق الأعلى ، الذين أنعم الله عليهم . فينتقل من مقام العلم إلى مقام الكشف ، ومن مقام رسوم الأعمال إلى
[ ص: 354 ] مقام حقائقها وأذواقها ، ومواجيدها ، وأحوالها . فيترقى من الإسلام إلى الإيمان ، ومن الإيمان إلى الإحسان .
وأما ترويح الأنس الذي أشار إليه : فإن السالك في أول الأمر يجد تعب التكاليف ومشقة العمل . لعدم أنس قلبه بمعبوده .
nindex.php?page=treesubj&link=29534_29531فإذا حصل للقلب روح الأنس زالت عنه تلك التكاليف والمشاق . فصارت قرة عين له . وقوة ولذة .
فتصير الصلاة قرة عينه ، بعد أن كانت عبئا عليه . ويستريح بها ، بعد أن كان يطلب الراحة منها . فله ميراث من قوله : صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980527أرحنا بالصلاة يا بلال .
nindex.php?page=hadith&LINKID=980354وجعلت قرة عيني في الصلاة بحسب إرادته ، ومحبته ، وأنسه بالله سبحانه وتعالى ، ووحشته مما سواه .
وأما السير بين القبض والبسط .
ف " القبض والبسط " حالتان تعرضان لكل سالك . يتولدان من الخوف تارة ، والرجاء تارة ، فيقبضه الخوف . ويبسطه الرجاء .
ويتولدان من الوفاء تارة ، والجفاء تارة ، فوفاؤه : يورثه البسط . ورجاؤه يورثه القبض .
ويتولدان من التفرقة تارة ، والجمعية تارة ، فتفرقته تورثه القبض . وجمعيته تورثه البسط .
ويتولدان من أحكام الوارد تارة . فوارد يورث قبضا ، ووارد يورث بسطا .
وقد يهجم على قلب السالك قبض لا يدري ما سببه . وبسط لا يدري ما سببه . وحكم صاحب هذا القبض : أمران .
الأول : التوبة والاستغفار . لأن ذلك القبض نتيجة جناية . أو جفوة . ولا يشعر بها .
والثاني : الاستسلام حتى يمضي عنه ذلك الوقت ، ولا يتكلف دفعه . ولا يستقبل وقته مغالبة وقهرا . ولا يطلب طلوع الفجر في وسط الليل ، وليرقد حتى يمضي عامة الليل . ويحين طلوع الفجر . وانقشاع ظلمة الليل . بل يصبر حتى يهجم عليه الملك . فالله يقبض ويبسط .
وكذلك إذا هجم عليه وارد البسط : فليحذر كل الحذر من الحركة والاهتزاز . وليحرزه بالسكون والانكماش . فالعاقل يقف على البساط ، ويحذر من الانبساط ، وهذا
[ ص: 355 ] شأن عقلاء أهل الدنيا ورؤسائهم : إذا ما ورد عليهم ما يسرهم ويبسطهم ويهيج أفراحهم ، قابلوه بالسكون والثبات والاستقرار ، حتى كأنه لم يهجم عليهم . وقال
كعب بن زهير في مدح
المهاجرين :
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم قوما . وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
فَصْلٌ
قَالَ : الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=30505تُقْطَعُ بِصُحْبَةِ الْحَالِ ، وَتَرْوِيحِ الْأُنْسِ ، وَالسَّيْرِ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ .
أَيْ يَنْقَطِعُ إِلَى صُحْبَةِ الْحَالِ . وَهُوَ الْوَارِدُ الَّذِي يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ تَأْثِيرِهِ بِالْمُعَامَلَةِ ، السَّالِبُ لِوَصْفِ الْكَسَلِ وَالْفُتُورِ ، الْجَالِبُ لَهُ إِلَى مُرَافَقَةِ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ، الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ . فَيَنْتَقِلُ مِنْ مَقَامِ الْعِلْمِ إِلَى مَقَامِ الْكَشْفِ ، وَمِنْ مَقَامِ رُسُومِ الْأَعْمَالِ إِلَى
[ ص: 354 ] مَقَامِ حَقَائِقِهَا وَأَذْوَاقِهَا ، وَمَوَاجِيدِهَا ، وَأَحْوَالِهَا . فَيَتَرَقَّى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْإِيمَانِ ، وَمِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِحْسَانِ .
وَأَمَّا تَرْوِيحُ الْأُنْسِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ : فَإِنَّ السَّالِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَجِدُ تَعَبَ التَّكَالِيفِ وَمَشَقَّةَ الْعَمَلِ . لِعَدَمِ أُنْسِ قَلْبِهِ بِمَعْبُودِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29534_29531فَإِذَا حَصَلَ لِلْقَلْبِ رُوحُ الْأُنْسِ زَالَتْ عَنْهُ تِلْكَ التَّكَالِيفُ وَالْمَشَاقُّ . فَصَارَتْ قُرَّةَ عَيْنٍ لَهُ . وَقُوَّةً وَلَذَّةً .
فَتَصِيرُ الصَّلَاةُ قُرَّةَ عَيْنِهِ ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ عِبْئًا عَلَيْهِ . وَيَسْتَرِيحُ بِهَا ، بَعْدَ أَنْ كَانَ يَطْلُبُ الرَّاحَةَ مِنْهَا . فَلَهُ مِيرَاثٌ مِنْ قَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980527أَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ يَا بِلَالُ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=980354وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ بِحَسَبِ إِرَادَتِهِ ، وَمَحَبَّتِهِ ، وَأُنْسِهِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَوَحْشَتِهِ مِمَّا سِوَاهُ .
وَأَمَّا السَّيْرُ بَيْنَ الْقَبْضِ وَالْبَسْطِ .
فَ " الْقَبْضُ وَالْبَسْطُ " حَالَتَانِ تَعْرِضَانِ لِكُلِّ سَالِكٍ . يَتَوَلَّدَانِ مِنَ الْخَوْفِ تَارَةً ، وَالرَّجَاءِ تَارَةً ، فَيَقْبِضُهُ الْخَوْفُ . وَيَبْسُطُهُ الرَّجَاءُ .
وَيَتَوَلَّدَانِ مِنَ الْوَفَاءِ تَارَةً ، وَالْجَفَاءِ تَارَةً ، فَوَفَاؤُهُ : يُورِثُهُ الْبَسْطَ . وَرَجَاؤُهُ يُورِثُهُ الْقَبْضَ .
وَيَتَوَلَّدَانِ مِنَ التَّفْرِقَةِ تَارَةً ، وَالْجَمْعِيَّةِ تَارَةً ، فَتَفْرِقَتُهُ تُورِثُهُ الْقَبْضَ . وَجَمْعِيَّتُهُ تُورِثُهُ الْبَسْطَ .
وَيَتَوَلَّدَانِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَارِدِ تَارَةً . فَوَارِدٌ يُورِثُ قَبْضًا ، وَوَارِدٌ يُورِثُ بَسْطًا .
وَقَدْ يَهْجُمُ عَلَى قَلْبِ السَّالِكِ قَبْضٌ لَا يَدْرِي مَا سَبَبُهُ . وَبَسْطٌ لَا يَدْرِي مَا سَبَبُهُ . وَحُكْمُ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْضِ : أَمْرَانِ .
الْأَوَّلُ : التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ . لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ نَتِيجَةُ جِنَايَةٍ . أَوْ جَفْوَةٍ . وَلَا يَشْعُرُ بِهَا .
وَالثَّانِي : الِاسْتِسْلَامُ حَتَّى يَمْضِيَ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَقْتُ ، وَلَا يَتَكَلَّفُ دَفْعَهُ . وَلَا يَسْتَقْبِلُ وَقْتَهُ مُغَالَبَةً وَقَهْرًا . وَلَا يَطْلُبُ طُلُوعَ الْفَجْرِ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ ، وَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَمْضِيَ عَامَّةُ اللَّيْلِ . وَيَحِينَ طُلُوعُ الْفَجْرِ . وَانْقِشَاعُ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ . بَلْ يَصْبِرَ حَتَّى يَهْجُمَ عَلَيْهِ الْمَلِكُ . فَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ .
وَكَذَلِكَ إِذَا هَجَمَ عَلَيْهِ وَارِدُ الْبَسْطِ : فَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالِاهْتِزَازِ . وَلْيُحْرِزْهُ بِالسُّكُونِ وَالِانْكِمَاشِ . فَالْعَاقِلُ يَقِفُ عَلَى الْبِسَاطِ ، وَيَحْذَرُ مِنْ الِانْبِسَاطِ ، وَهَذَا
[ ص: 355 ] شَأْنُ عُقَلَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَرُؤَسَائِهِمْ : إِذَا مَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ مَا يَسُرُّهُمْ وَيُبْسِطُهُمْ وَيُهَيِّجُ أَفْرَاحَهُمْ ، قَابَلُوهُ بِالسُّكُونِ وَالثَّبَاتِ وَالِاسْتِقْرَارِ ، حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَهْجُمْ عَلَيْهِمْ . وَقَالَ
كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي مَدْحِ
الْمُهَاجِرِينَ :
لَيْسُوا مَفَارِيحَ إِنْ نَالَتْ رِمَاحُهُمُ قَوْمًا . وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إِذَا نِيلُوا