فصل
قال : ، وتلهج اللسان بذكره . وتعلق القلب بشهوده . وهي محبة تظهر من مطالعة الصفات ، والنظر إلى الآيات ، والارتياض بالمقامات . الدرجة الثانية : محبة تبعث على إيثار الحق على غيره
هذه الدرجة أعلى مما قبلها ، باعتبار سببها وغايتها . فإن سبب الأولى : مطالعة الإحسان والمنة . وسبب هذه : مطالعة الصفات . وشهود معاني آياته المسموعة ، والنظر إلى آياته المشهودة . وحصول الملكة في مقامات السلوك ، وهو الارتياض بالمقامات . ولذلك كانت غايتها أعلى من غاية ما قبلها .
فقوله " تبعث على إيثار الحق على غيره " أي لكمالها وقوتها فإنها تقتضي من المحب أن يترك لأجل الحق ما سواه ، فيؤثره على غيره . ولا يؤثر غيره عليه . ويجعل اللسان لهجا بذكره . فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره .
" وتعلق القلب بشهوده " لفرط استيلائه على القلب . وتعلقه به ، حتى كأنه لا يشاهد غيره .
وقوله " وهي محبة تظهر من مطالعة الصفات " يعني : إثباتها أولا . ومعرفتها ثانيا . ونفي التحريف والتعطيل عن نصوصها ثالثا ، ونفي التمثيل والتكييف عن معانيها رابعا . فلا يصح له مطالعة الصفات الباعثة على المحبة الصحيحة إلا بهذه الأمور الأربعة . وكلما أكثر قلبه من مطالعتها ، ومعرفة معانيها : ازدادت محبته للموصوف بها . ولذلك كانت الجهمية - قطاع طريق المحبة - بين المحبين وبينهم السيف الأحمر .
وقوله " والنظر إلى الآيات " أي نظر الفكر والاعتبار إلى آياته المشهودة .
وفي آياته [ ص: 41 ] المسموعة . وكل منهما داع قوي إلى محبته سبحانه . لأنها أدلة على صفات كماله ، ونعوت جلاله ، وتوحيد ربوبيته وإلهيته ، وعلى حكمته وبره ، وإحسانه ولطفه ، وجوده وكرمه ، وسعة رحمته ، وسبوغ نعمته ، فإدامة النظر فيها داع - لا محالة - إلى محبته .
وكذلك الارتياض بالمقامات . فإن من كانت له رياضة وملكة في مقامات الإسلام والإيمان والإحسان : كانت محبته أقوى . لأن محبة الله له أتم . وإذا أحب الله عبدا أنشأ في قلبه محبته .