فصل
قال : زرعه الحب الذي ينبت على حافات المنن فعلق قلبه بصفاته المقدسة فاشتاق إلى معاينة لطائف كرمه وآيات بره وأعلام فضله . وهذا شوق تغشاه المبار ، وتخالجه المسار ، ويقاومه الاصطبار . الدرجة الثانية : شوق إلى الله عز وجل
الشوق إلى الله لا ينافي الشوق إلى الجنة . فإن أطيب ما في الجنة : قربه تعالى ، ورؤيته ، وسماع كلامه ورضاه . نعم . الشوق إلى مجرد الأكل والشرب والحور العين في الجنة ناقص جدا ، بالنسبة إلى شوق المحبين إلى الله تعالى . بل لا نسبة له إليه ألبتة . وهذا الشوق درجتان .
إحداهما : شوق زرعه الحب الذي سببه الإحسان والمنة . وهو الذي قال فيه : ينبت على حافات المنن . فسببه مطالعة منة الله وإحسانه ونعمه .
وقد تقدم بيان ذلك في منزلة المحبة وتبين أن محبة الأسماء والصفات [ ص: 59 ] أكمل وأقوى من محبة الإحسان والآلاء .
وفي قوله " تنبت على حافات المنن " أي جوانبه : إشارة إلى عدم تمكنها وقوتها ، وأنها من نبات الحافات التي هي جوانب المنن . لا من نبات الأسماء والصفات .
وقوله " فعلق قلبه بصفاته المقدسة " يعني الصفات المختصة بالمنن والإحسان . كالبر والمنان ، والمحسن ، والجواد ، والمعطي ، والغفور ، ونحوها .
وقوله " المقدسة " يعني المطهرة المنزهة عن تأويل المحرفين وتشبيه الممثلين وتعطل المعطلين . وإنما قلنا : إن مراده هذه الصفات الخاصة لوجهين .
أحدهما : أن تعلق القلب بالصفات العامة : إنما يكون في الدرجة الثالثة .
الثاني : أنه جعل ثمرة هذا التعلق شوق العبد إلى معاينة لطائف كرم الرب ومننه وإحسانه وآيات بره . وهي علامات بره بالعبد وإحسانه إليه ، وكذلك ( أعلام فضله ) وهو ما يفضل عليه به ، ويفضله به على غيره .
قوله " وهذا شوق تغشاه المبار " يعني : أنه شوق معلول . ليس خالصا لذات المحبوب . بل لما ينال منه من المبار " فقد غشيته " أي أدركته المبار .
قوله " وتخالجه المسار " أي تجاذبه . فإن المخالجة هي المجاذبة . فإذا خالط هذا الشوق الفرح : كان ممزوجا بنوع من الحظ .
وقوله " ويقاومه الاصطبار " أي أن صاحبه يقوى على الصبر ، فيقاوم صبره شوقه ولا يغلبه ، بخلاف الشوق في الدرجة الثالثة .