فصل
ومنها منزلة السر
قال صاحب المنازل :
nindex.php?page=treesubj&link=29411باب السر ، قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31الله أعلم بما في أنفسهم أصحاب السر : هم الأخفياء الذين ورد فيهم الخبر .
أما استشهاده بالآية ، فوجهه : أن أتباع الرسل الذين صدقوهم ، وآثروا الله والدار الآخرة على قومهم وأصحابهم قد أودع الله قلوبهم سرا من أسرار معرفته ومحبته والإيمان به ، خفي على أعداء الرسل ، فنظروا إلى ظواهرهم ، وعموا عن بواطنهم فازدروهم واحتقروهم ، وقالوا للرسول : اطرد هؤلاء عنك ، حتى نأتيك ونسمع منك ، وقالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=53أهؤلاء من الله عليهم من بيننا فقال
نوح عليه السلام لقومه :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : المعنى إن كنتم تزعمون أنهم إنما اتبعوني في بادي الرأي وظاهره ، فليس علي أن أطلع على ما في أنفسهم ، فإذا رأيت من يوحد الله عملت على ظاهره ، ورددت علم ما في نفوسهم إلى الله ، وهذا معنى حسن .
والذي يظهر من الآية : أن الله يعلم ما في أنفسهم ، إذ أهلهم لقبول دينه وتوحيده ، وتصديق رسله ، والله سبحانه وتعالى عليم حكيم ، يضع العطاء في مواضعه ، وتكون هذه الآية مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=53وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين [ ص: 162 ] فإنهم أنكروا أن يكون الله سبحانه أهلهم للهدى والحق ، وحرمه رؤساء الكفار وأهل العزة والثروة منهم ، كأنهم استدلوا بعطاء الدنيا على عطاء الآخرة . فأخبر الله سبحانه : أنه أعلم بمن يؤهله لذلك لسر عنده : من معرفة قدر النعمة ، ورؤيتها من مجرد فضل المنعم ، ومحبته وشكره عليها . وليس كل أحد عنده هذا السر . فلا يؤهل كل أحد لهذا العطاء .
قوله : أصحاب السر : هم الأخفياء الذين ورد فيهم الخبر
قد يريد به : حديث
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص . حيث قال له ابنه : أنت هاهنا والناس يتنازعون في الإمارة ؟ فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980624إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي .
وقد يريد به : قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980625رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبره ، وقوله في الحديث الآخر وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=980626مر به رجل : فقال : ما تقولون في هذا ؟ فقالوا : هذا حري ، إن شفع أن يشفع ، وإن خطب أن ينكح ، وإن قال أن يسمع لقوله . ثم مر به آخر فقال : ما تقولون في هذا ؟ فقالوا : هذا حري إن شفع ألا يشفع ، وإن خطب : أن لا ينكح ، وإن قال : ألا يسمع لقوله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا .
فَصْلٌ
وَمِنْهَا مَنْزِلَةُ السِّرِّ
قَالَ صَاحِبُ الْمَنَازِلِ :
nindex.php?page=treesubj&link=29411بَابُ السِّرِّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ أَصْحَابُ السِّرِّ : هُمُ الْأَخْفِيَاءُ الَّذِينَ وَرَدَ فِيهِمُ الْخَبَرُ .
أَمَّا اسْتِشْهَادُهُ بِالْآيَةِ ، فَوَجْهُهُ : أَنَّ أَتْبَاعَ الرُّسُلِ الَّذِينَ صَدَّقُوهُمْ ، وَآثَرُوا اللَّهَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ عَلَى قَوْمِهِمْ وَأَصْحَابِهِمْ قَدْ أَوْدَعَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ سِرًّا مِنْ أَسْرَارِ مَعْرِفَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ ، خَفِيَ عَلَى أَعْدَاءِ الرُّسُلِ ، فَنَظَرُوا إِلَى ظَوَاهِرِهِمْ ، وَعَمُوا عَنْ بَوَاطِنِهِمْ فَازْدَرَوْهُمْ وَاحْتَقَرُوهُمْ ، وَقَالُوا لِلرَّسُولِ : اطْرُدْ هَؤُلَاءِ عَنْكَ ، حَتَّى نَأْتِيَكَ وَنَسْمَعَ مِنْكَ ، وَقَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=53أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا فَقَالَ
نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=31وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا اتَّبَعُونِي فِي بَادِي الرَّأْيِ وَظَاهِرِهِ ، فَلَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَطَّلِعَ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمْ ، فَإِذَا رَأَيْتُ مَنْ يُوَحِّدُ اللَّهَ عَمِلْتُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَرَدَدْتُ عِلْمَ مَا فِي نُفُوسِهِمْ إِلَى اللَّهِ ، وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ .
وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الْآيَةِ : أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ ، إِذْ أَهَّلَهُمْ لِقَبُولِ دِينِهِ وَتَوْحِيدِهِ ، وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلِيمٌ حَكِيمٌ ، يَضَعُ الْعَطَاءَ فِي مَوَاضِعِهِ ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=53وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ [ ص: 162 ] فَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَهَّلَهُمْ لِلْهُدَى وَالْحَقِّ ، وَحَرَمَهُ رُؤَسَاءَ الْكُفَّارِ وَأَهْلَ الْعِزَّةِ وَالثَّرْوَةِ مِنْهُمْ ، كَأَنَّهُمُ اسْتَدَلُّوا بِعَطَاءِ الدُّنْيَا عَلَى عَطَاءِ الْآخِرَةِ . فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : أَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُؤَهِّلُهُ لِذَلِكَ لِسِرٍّ عِنْدَهُ : مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ النِّعْمَةِ ، وَرُؤْيَتِهَا مِنْ مُجَرَّدِ فَضْلِ الْمُنْعِمِ ، وَمَحَبَّتِهِ وَشُكْرِهِ عَلَيْهَا . وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ عِنْدَهُ هَذَا السِّرُّ . فَلَا يُؤَهَّلُ كُلُّ أَحَدٍ لِهَذَا الْعَطَاءِ .
قَوْلُهُ : أَصْحَابُ السِّرِّ : هُمُ الْأَخْفِيَاءُ الَّذِينَ وَرَدَ فِيهِمُ الْخَبَرُ
قَدْ يُرِيدُ بِهِ : حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ . حَيْثُ قَالَ لَهُ ابْنُهُ : أَنْتَ هَاهُنَا وَالنَّاسُ يَتَنَازَعُونَ فِي الْإِمَارَةِ ؟ فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980624إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ .
وَقَدْ يُرِيدُ بِهِ : قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=980625رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ، وَقَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَقَدْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980626مَرَّ بِهِ رَجُلٌ : فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟ فَقَالُوا : هَذَا حَرِيٌّ ، إِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ . ثُمَّ مَرَّ بِهِ آخَرُ فَقَالَ : مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟ فَقَالُوا : هَذَا حَرِيٌّ إِنْ شَفَعَ أَلَّا يُشَفَّعَ ، وَإِنْ خَطَبَ : أَنْ لَا يُنْكَحَ ، وَإِنْ قَالَ : أَلَّا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِنْ مِثْلِ هَذَا .