الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما حكم فواته بعد الشروع فيه فيتعلق بفواته بعد الشروع فيه أحكام منها : أنه يتحلل من إحرامه بعمل العمرة ، وهو الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق أو التقصير إن كان مفردا بالحج ، ويجب عليه ذلك لما روى الدارقطني بإسناده عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من فاته عرفة بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة من غير دم وعليه الحج من قابل } .

                                                                                                                                وعن عمر وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أنهم قالوا فيمن فاته الحج : يحل بعمل العمرة من غير هدي ، وعليه الحج من قابل ثم اختلف أصحابنا فيما يتحلل به فائت الحج من الطواف أنه يلزمه ذلك بإحرام الحج أو بإحرام العمرة قال أبو حنيفة ومحمد : بإحرام الحج .

                                                                                                                                وقال أبو يوسف : بإحرام العمرة ، وينقلب إحرامه إحرام عمرة ، واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الدارقطني { فليحل بعمرة } سماه عمرة ولا عمرة إلا بإحرام العمرة ، فدل أن إحرامه ينقلب إحرام عمرة ، ولأن المؤدى أفعال العمرة ، فكانت عمرة ، ولهما قول الصحابة رضي الله عنهم يحل بعمل العمرة أضاف العمل إلى العمرة ، والشيء لا يضاف إلى نفسه هو الأصل ، ولأنه أحرم بالحج لا بالعمرة حقيقة ; لأنه مفرد بالحج ، واعتبار الحقيقة أصل في الشرع ، فالقول بانقلاب إحرام الحج إحرام العمرة تغيير الحقيقة من غير دليل مع أن الإحرام عقد لازم لا يحتمل الانفساخ ، وفي الانقلاب انفساخ ، وهذا لا يجوز ، والدليل على صحة ما ذكرنا أن فائت الحج لو كان من أهل مكة يتحلل بالطواف كما يتحلل أهل الآفاق ، ولا يلزمه الخروج إلى الحل .

                                                                                                                                ولو انقلب إحرامه إحرام عمرة وصار معتمرا للزمه الخروج إلى الحل - وهو التنعيم أو غيره - وكذا فائت الحج إذا جامع ليس عليه قضاء العمرة ، ولو كان عمرة لوجب عليه قضاؤه كالعمرة المبتدأة فيثبت بما ذكرنا من الدلائل أن إحرامه بالحج لم ينقلب إحرام عمرة ، وبه تبين أن المؤدى ليس أفعال العمرة بل مثل أفعال العمرة تؤدى بإحرام الحجة ، والحديث محمول على عمل العمرة توفيقا بين الدليلين .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية