الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو حلف لا يأكل لحما فأي لحم أكل من سائر الحيوان غير السمك يحنث ، ثم يستوى فيه المحرم وغير المحرم والمطبوخ والمشوي والضعيف لأن اللحم اسم لأجزاء الحيوان الذي يعيش في البر فيحنث إذا أكل لحم ميتة أو خنزير أو إنسان أو لحم شاة ترك ذابحها التسمية على ذبحها عمدا أو أكل ذبيحة مجوسي أو مرتد أو لحم صيد ذبحه المحرم .

                                                                                                                                ويستوي فيه لحم الغنم والبقر والإبل لأن اسم اللحم يتناول الكل ، وإن أكل سمكا لا يحنث وإن سماه الله - عز وجل - لحما في القرآن العظيم بقوله تعالى : { لحما طريا } لأنه لا يراد به عند الإطلاق اسم اللحم ، فإن الرجل يقول ما أكلت اللحم كذا وكذا يوما ، وإن كان قد أكل سمكا .

                                                                                                                                ألا ترى أن من حلف لا يركب دابة فركب كافرا لا يحنث وإن سماه الله - عز وجل - دابة بقوله - عز وجل - : { إن شر الدواب عند الله الذين كفروا } وكذا لو حلف لا يخرب بيتا فخرب بيت العنكبوت لم يحنث وإن سماه الله - سبحانه وتعالى - بيتا في كتابه العزيز بقوله : { وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون } وكذا كل شيء يسكن الماء فهو مثل السمك .

                                                                                                                                ولو أكل أحشاء البطن مثل الكرش والكبد والفؤاد والكلى والرئة والأمعاء والطحال ذكر الكرخي أنه يحنث في هذا كله إلا في شحم البطن ، وهذا الجواب على عادة أهل الكوفة في زمن أبي حنيفة وفي الموضع الذي يباع مع اللحم .

                                                                                                                                وأما في البلاد التي لا يباع مع اللحم أيضا فلا يحنث به ، .

                                                                                                                                فأما شحم البطن فليس بلحم ولا يتخذ منه ما يتخذ من اللحم ولا يباع مع اللحم أيضا ، فإن نواه يحنث لأنه شدد على نفسه وكذلك الألية لا يحنث بأكلها لأنها ليست بلحم ، فإن أكل شحم الظهر أو ما هو على اللحم حنث لأنه لحم لكنه لحم سمين .

                                                                                                                                ألا ترى أنه يقال لحم سمين ؟ وكذا يتخذ منه ما يتخذ من اللحم ، وكذلك لو أكل رءوس الحيوانات ما خلا السمك يحنث لأن الرأس عضو من أعضاء الحيوان فكان لحمه كلحم سائر الأعضاء بخلاف ما إذا حلف لا يشتري لحما فاشترى رأسا أنه لا يحنث لأن مشتريه لا يسمى مشتري لحم وإنما يقال اشترى رأسا .

                                                                                                                                ولو حلف لا يأكل شحما فاشترى شحم الظهر لم يحنث في قول أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد يحنث .

                                                                                                                                وذكر في الجامع الصغير في رجل حلف لا يشتري شحما فأي شحم اشترى لم يحنث إلا أن يشتري شحم البطن .

                                                                                                                                وكذا لو حلف لا يأكل شحما ، ولهما قوله تعالى : { ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما } والمستثنى من جنس المستثنى منه فدل أن شحم الظهر شحم حقيقة ولأبي حنيفة أنه لا يسمى شحما عرفا وعادة بل يسمى لحما سمينا فلا يتناوله اسم الشحم عند الإطلاق ، وتسمية الله تعالى إياه شحما لا يدل على دخوله تحت اليمين إذا لم يكن الاسم متعارفا لأن مطلق كلام الناس ينصرف إلى ما يتعارفونه كما ضربنا من الأمثلة في لحم السمك .

                                                                                                                                وقال الله تعالى : { وجعل الشمس سراجا } .

                                                                                                                                وقال - سبحانه وتعالى - : { الأرض بساطا } ثم لا يدخلان في اليمين على البساط والسراج كذا هذا ، وقد قالوا فيمن حلف لا يشتري شحما ولا لحما فاشترى ألية أنه لا يحنث لأنها ليست بشحم ولا لحم .

                                                                                                                                وقال عمرو عن محمد فيمن أمر رجلا أن يشتري له شحما فاشترى شحم الظهر أنه لا يجوز على الأمر ، وهذا يدل على أن إطلاق اسم الشحم لا يتناول شحم الظهر كما قاله أبو حنيفة فيكون حجة على محمد .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية